خمسة أشهر تقريباً مرّت على بداية العام 2020، كانت كفيلة بأن تعيش الجمهورية الإسلامية في إيران واحدة من أدق المراحل في تاريخها. أزمات عديدة طرقت بابها، كان آخرها ما حصل نهاية الأسبوع الماضي بعد قصف بارجة إيرانية عن طريق الخطأ وخلال مناورات تجريها القوات البحريّة، سفينة عسكرية إيرانية ما أدّى إلى مقتل 19 شخصاً.
رغم هذه الأزمات المتتالية، وبالتزامن مع تفشّي فيروس كورونا في طهران، لم تتخلّ الجمهورية الإسلامية عن صراعها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا الصراع الذي استعر مع خروج الأخير من الاتفاق النووي الإيراني منذ سنتين، بدأ يأخذ صورة جديدة ظهرت في التصريحات الإيرانية والأميركية، إضافة للتغيرات في العراق ولبنان.
أولى بوادر حلحلة الأزمة هو عمليّة التبادل التي حصلت بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، حيث تمّت عملية تسلّم وتسليم بينهما تحت رعاية السفارة السويسرية في طهران. واللافت أن أميركا أطلقت من سجونها البروفيسور في الشؤون التكنولوجيّة سيروس أصغري، أما السجين الأميركي الذي أفرجت عنه طهران هو مايكل وايت والذي تم تسليمه للسفارة السويسرية في طهران.
هذه الإيجابيّة التي رافقت عمليّة التبادل، سرعان ما أنهاها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي نفى أن يكون هناك أي مفاوضات بين واشنطن وطهران، واعتبر أن الإدارة الأميركية الحالية لا يمكن الوثوق بها في موضوع المفاوضات.
هذا التصريح يزيد من الغموض في مستقبل العلاقة بين البلدين، ويؤكّد أن وجهة النظر الإيرانية تعتمد على انتظار نتائج الانتخابات الرئاسيّة في أميركا حيث أن بقاء وتغيير الإدارة الحالية سيفتح أبواب الحل، مع الإشارة الى أن الانتخابات الأميركية يُفترض أن تكون قريبة، في الثالث من تشرين الثاني المقبل، وهذا بحال لم تتأثّر بأزمة الكورونا.
ولكن ليست العلاقة المباشرة بين طهران وواشنطن هي المرآة الوحيدة لأي عملية تفاوض تحصل بين الطرفين، أو حتى أي إيجابية بينهما، فبعيداً عن الواقع الداخلي في إيران، برزت في الأيام الماضية تغيرات إقليمية عديدة جسّدت هذه الإيجابية.
أبرز هذه الأحداث هو تسمية مصطفى الكاظمي لتشكيل حكومة جديدة في العراق، وهو المعروف بعلاقته الوثيقة مع واشنطن، إضافة لقنواته الخاصة مع إيران وحزب الله نظراً لكونه رئيس الإستخبارات العراقية سابقا، وكان فاعلاً خلال المعارك التي خاضتها القوات العراقية بالتعاون مع القوات الايرانية ضد التنظيم الإرهابي "داعش". هذا الواقع، قد يجعل منه قناة لإدارة الإشتباك بين طهران وواشنطن، على الأرض العراقية، وهي التي شهدت خلال الأشهر الماضية كباشا دمويا بين الطرفين.
كذلك يمكن قراءة الواقع اللبناني السياسي الحالي على أنه انعكاس للإيجابية بين أميركا وإيران، فالإدارة الاميركية لم تكسر الجرّة مع لبنان، وبالتحديد مع حلفاء إيران فيه، حيث تعاطت مع حكومة دياب بحذر وبلا مواقف مسبقة، ولم تُعلن الحرب عليها، على عكس ما كان يشتهيه البعض من قوى المعارضة، وكان لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله رسائله بهذا الإطار، مع الإشارة الى أن بوادر الإيجابيّة في علاقة لبنان وصندوق النقد الدولي تقدّم أيضا صورة عن طبيعة العلاقة بين الإدارة الاميركية وحلفاء إيران في لبنان.
جرّبت إيران وأميركا كل أنواع العلاقات حتى اليوم، فهل توصل الفريقان الى نتيجة تؤكد أن التواصل والنقاش هو أفضل الحلول وأرخصها؟!.