من مصائب الدهر على حزب الله ان يبتلى بحلفاء يقدمون مصالحهم الشخصية والفئوية على المصلحة الوطنية، فيما يتخلى عن حقه في مرات كثيرة للمّ زلات هؤلاء الحلفاء وتقديمهم امام الرأي العام في ابهى صورة حفاظا على المصلحة الوطنية التي يفرطون بها.
صحيح ان حزب الله اعتاد تقديم التضحيات من اجل القضايا الوطنية مهما علا الصراخ والضجيج وصوبت السهام ضده، ولكن الصحيح ايضا ان هذا الحزب بعد سقوط المنظومة اللبنانية وانهيارها بسبب السياسات الاقتصادية غير السوية لحلفائه وخصومه في آن، بات يضع نصب عينيه سياسة مختلفة لمقاربة كل شيء من السياسة والاقتصاد الى العلاقة مع الحلفاء وفي ما بينهم.
هنا يمكن تفسير سبب صمت الحزب وامينه العام السيد حسن نصرالله على موضوع التصعيد بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ووفقا لمقربين من الحزب فانه «لا داعي للتدخل ولا فائدة منه» فالرجلين دخلا في متاهات لا تليق بأي منهما ولا بنا. ولفت المقربون الى ان «ما لا يعلمه فرنجية وباسيل وبمعزل عن احقية او عدم احقية تبريرات وطروحات كل منهما ان الرجلين خرجا من السباق الرئاسي باكرا».
بالتأكيد ان حزب الله ليس مرتاحا للطريقة التي يقارب بها حلفاؤه ملف مكافحة الفساد والاصلاح المالي والاقتصادي، ولا سيما ان المرحلة اليوم في حسابات الحزب تتطلب وجود فريق عمل لبناني من اعلى الهرم الى اسفله نظيف الكف بسجل «لا حكم عليه» قادر على ادارة الاصلاح والتغيير المطلوبين لاعادة النهوض بالبلد وانتشاله من ازماته.
قد يأتي من يقول ان فرنجية تنازل كثيرا في السابق، ولم يجد حزب الله ناصرا له في مواقف كثيرة انما ترك باسيل يسجل نقاطا سياسية ضده ويحشد تأييدا شعبيا واسعا على حساب رصيده السياسي والشعبي، ولكن ذلك لا يبرر سقطته في حماية مدير المنشآت النفطية «سركيس حليس» التي باتت تعتبر نقطة سوداء كبيرة في سجله السياسي داخليا وخارجيا، وكأن فرنجية وباسيل وفقاً للمقربين من الحزب «يتباريان من يخطئ اكثر».
مشكلة فرنجية انه تعاطى بكيدية في ملف حساس جدا في ظل الازمة الاقتصادية الخطيرة التي يعانيها لبنان وفي ظل المراقبة الدولية للاداء اللبناني في محاربة الفساد... كان الاجدى بفرنجية اذا كان واثقا من براءة حليس حذو الطريق ذاته الذي اختاره حليفه حزب الله حين وافق على ذهاب الوزير السابق محمد فنيش الى القضاء علما «انه ليس متهما» للادلاء بشهادته في ملف الفيول المغشوش.
ما اثار اكثر من علامة استفهام على موقف فرنجية بالنسبة لحلفائه انه لم يسمع النصيحة التي قدمت له بترك الملف للقضاء، ذهب بعيدا في حرب الرئاسة الاولى على حساب سمعته السياسية وسمعة حلفائه، علما ان فرنجية وباسيل وكل حلفاء الحزب اصبح لديهم علم وخبر ان الحزب ماض في معركة مكافحة الفساد وانه غير مستعد لحماية «لا حليف ولا صديق».
المفارقة هنا ان مقاربة اداء فرنجية الاخير لم تقتصر على الداخل فقط، فقد سجلت في الساعات الاخيرة مقاربة خارجية اشد واقسى حيث كشفت مصادر دبلوماسية عن «وجود استياء دولي عارم من المقاربة اللبنانية لملف مكافحة الفساد ولا سيما استخدام بعض رجال الدين والزعماء السياسيين لسياسة «الخطوط الحمراء» لحماية متهمين بالفساد محسوبين على بعض الاحزاب والطوائف»، في وقت بدأت الحكومة اللبنانية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتعهدت في مشروعها الاقتصادي بمعالجة ملفات الفساد وهو ما يعتبر «تناقضا فاضحا» بين ما طرحته الحكومة الممثل بها فرنجية بوزيرين وبين ادائه الاخير.
وفي حين اعتبرت المصادر ان «السياسة التي يتبعها هؤلاء تضعف موقف لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد»، كشفت للمرة الاولى عن ان الجهات الدولية غير مستعدة لمساعدة لبنان اذا لم يقدم مشاريع حقيقية وجدية لمكافحة الفساد ويرفع الحصانات عن المتهمين بالفساد ويحاسبهم امام القضاء.