هل يدرك السياسيون أنّ شابات وشباب لبنان في الداخل والخارج يرسلون كلّ يوم آلاف الرسائل والصور والفضائح والوثائق والأسرار إلى دوائر أنظمة العالم في الشرق والغرب وبلاد العرب أوطاني، وهم تجاوزواالرسمي والسفراء والوزراء والبرلمانيين والإعلاميين وصارت ملفّاتهم مدموغة بالتفاصيل والخطوط الحمراء والصور الملطّخة.
إذن، التغيير آتٍ لا محالة ولبنان ليس في لبنان بل هو في كلّ خارج.
بات من المستحيل ترميم صور معظم رؤساء الدول أو الزعماء والسياسيين وإعلامييهم. تتشوّه كلّها ساقطةً فوق جدران التواصل الإجتماعي وفي احترام الناس. أنّها صور لشخصيّات نراها تتجعلك مثل قمصان الحرير تنكمش تحت مكواة شديدة الحماوة أو نلتذّ بالشتائم والسباب يدمّرها، إن كانت لينة تابعة كاذبة مرتكبة مرتبكة سارقة لصوصيّة . بكلمتين تفقد السلطات هيبتها وضروراتها في العالم.
تؤرّق هذه الظاهرة الحكّام في العالم لصورهم الممزّقة الملطّخة بالفساد، وأراها تقوى كثيراً في لبنان أنموذجاً مقرفاً منتشر الصيت الملطّخ في الدنيا. غابت الوسائل لكسب ثقة الجماهير بهم أو حتّى إستعادة بعض هذه الثقة عبر التحقير في المدوّنات. ليست المسألأة عشوائيّة، أجيال من الشابات والشباب يمتلكون قوّة البرامج المدروسة جيّداً وبمرونة كافية قادرة أن تهشّم أقوى الأقوياء والمشاهير في المجتمعات.
قد لا أبالغ إن قلت أنّ الكورونا تخطف أرواح المسنين في العالم، وثورات الشباب تخطف تباعاً أهل السلطات التقليدية القائمة على الغشّ والقمع والنهب.هذه الظاهرة المتعاظمة، تجعل المستقبل ضاحكاً، عبر تشريعك النوافذ كلّها المشغولة في ما يتجاوز الحريّة كمفهوم سياسي أوصلت المسؤولين إلى أزمات بل إلى أمراض نفسيّة حقيقية واحتقار ذاتي عائلي. باتت تظهر واضحة في سلوكهم أوصمتهم أو دفاعاتهم الفاجرة المتشنّجة العاجزة الخشبيّة الحافلة بالأكاذيب والذنوب. لا ينظّف تواريخهم سوى انحطاط بعض الإعلاميات والإعلاميين الحزبيين التابعين أو الخبراء المدفوعة أثمانهم ومواقفهم نقداً وعدّاً إلى درجة أنّ الناس فقدوا الثقة بأهل الصحافة ووسائلهم الفاسدة التي تعمّم الفوضى وتضيّع الحقائق. كانت الشاشات والكتبة، حتّى الأمس القريب يصدّقون أنفسهم أنهم سلطة السلطات في لبنان، لكنّ الناس صاروا هم سلطة السلطات ولم تعد تعنيهم الشاشات الوسخة طائفيّاً.
عندما تهتزّ الثقة بالسياسة والصحافة الراقصة للفساد والمشاركة للفاسدين ، هذا يعني قرب الإنفجارات وإنتظار فيالق الهزّات البشريّة التي يستحيل ضبط انهياراتها.
وإذا كانت الثقة إبنة الإقناع ، فإنّ الإقناع مستحيل في هذه الأزمنة اللبنانية الضيّقة جدّاً. لم يعد ممكناً حصره باللغة وأدواتها التدليسيّة واستراتيجيّاتها التقليدية.هذه مسائل بالغة التعقيد يرتبط فيها الإقناع بالذكاء الاصطناعي فيولّد برامج الاقناع الضوئي الإنترنتّي ويعمّ دوائر القرار في العالم. يؤمّن هذا اللون من الإقناع الشبابي المبرمج ، تسريعاً رائعاً لوتيرة الشبكات الاجتماعية الملتهبة الحاملة للقواعد الضخمة للبيانات والتي تجعلني أشبّهها ب"الآبار" الخاصّة بالمؤسسات لمعرفة توجهات الجماهير من جهة، ولهندسة توجهاتها وقناعاتها وردود أفعالها الحرّة ومساعدتها على التغيير.
من الطبيعي جدّا، أن يتسلّى اللبنانيون بالصور المندثرة الصفات المتناقضة وكأنّها قطع من البازل أوالألعاب المهشّمة المتناثرة أمام أطفالنا اللاعبين في زوايا البيوت. هنا أضيء على الخبراء المستوردين والمتطفّلين من أهل الإعلام يتجاوزون ببرامجهم المشحونةً بالإضافات والإلتباسات والمؤآمرات، فيراكمون ثرواتٍ طائلة عبر تلك المهمّات السريّة التي لا يفهم أسرارها العاديون بعد تلطيخ السمعات وتهشيم الصور. يعلّقون بسذاجة "لا دخان من دون نار".
لهذه المسائل علوم معاصرة في ميادين العلاقات العامّة، تعتمدها كبريات المؤسسات الدوليّة الرسميّة والخاصة ويديرها خبراء عالميون يعرفون بال Pin doctors وتتجاوز أرباحهم التنافسيّة ما يتجاوز موظّفي النفط.
يستلزم نجاح هذه المهمّات، زيادة أعداد المستخدمين للمنابر وجذب الجماهير إليها في تفاصيل حياتها وفضائحها تحقيقاً لإنفجارات المتابعين لتصبح مضخّات المعلومات لا تنكفىء تعيد تدوير نفسها عبر تنقلها من مستخدم لآخر بسرعة مذهلة تتجاوز بكثير إنتشار فيروسة الكورونا التي هزّت البشرية.
مثال حي: حبكت محاولة إقناع رئيس وزراء حسن الصورة، بضرورة إجراء حوار مفتوح مع ثلاثة من كبار الصحافيات والصحافيين الذين امتهنوا تكسير صور الضيوف، وعمدوا إلى فتح الهواء لمكاشفة بين الرئيس والناس في العديد من الملفّات المتراكمة الموروثة والمشحونة بالأزمات والتي لا يمكنه تلافي السقوط في ملطّخاتها. قدّمت الفكرة هدية جميلة وأكثر من ضرورية، دون الكشف بأنّ الضوء قد يجذب الفراشات إلى زجاجات القناديللكنها تقع محروقةً بعد دورتين أو ثلاث. وهذا ما حصل مع رئيس الحكومة، الذي جاء من ينبّه أنّ فخّاً نُصب له بالتنسيق بين مستشاريه وإعلاميين وسياسيين مخضرمين، يوقعونه في الشاشات وأشواكها وإنتظارات الناس لمناظر التكسير ولإجهاض على صورته، وتكون النتيجة السقوط الحتمي فوق الحلبة. هذا ما قصدته منذ ال 2005 عندما نشرت في هذه الصفحة بأنّ إعلاميين عرباً يعتبرون أنفسهم، للأسف، سلطة السلطات.
تتجاوز إنتشار جراثيم الأخبار الهدّامة الاستراتيجية وتداعياتها بمسافات سرعة انتشار جراثيم الكوفيد 19 وتكاثرها المريع. وتزداد قيمة بث المعلومات الوسخة وأهميتها بعد تلغيم مراميها ومحتوياتها في جعلها تحظى بغرائز الناس التي تنخرط في التدمير، ليصبح التواصل مثل الوباء سريع الانتشار وربّما أقوى فاعلية. يموت الناس بالكورونا صحيح، لكنّ العديد من فيروسات المعلومات والصور والفيديوهات المزيفة والمحرّفة بذكاء يجعلها أقوى من الحقائق الثابتة، لأنّها تعبر حدود الأوطان وتغمر البشرية.
يفرز هذا العصر الخطير وباستمرار، للحكّام والمشاهير والعاديين "حكّاما" افتراضيين يتحكمون بأصابع وعقول وصور الأفراد والجماعات والمؤسسات والدول متسلحين بتقنيّات الذكاء الاصطناعي الهائلة التطوّر، تسعفهم في ذلك هندسة الرسائل التي تضاعف من مكاسبهم الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية. يستخدم هؤلاء المؤسسات والحكومات وكبار الشخصيّات من أجل "البروباغندا" المعلوماتية الفيروسية بقصد بناء أو تهديم السمعة الرقمية التي تتلقفها الجماهير الافتراضية الطيّارة في أفلاك منصّات الأخبار والمعلومات والصور، وخصوصاً في زمن الحجر الكوروني.