رغم كل شيء، يبقى لشهر رمضان المبارك في احياء وحارات صيدا القديمة نكهة خاصة، صحيح ان فيروس "كورونا" والفقر المدقع والجوع، ووجع الناس من الغلاء وارتفاع الاسعار هذا العام نغص على أبناء المدينة فرحتهم، وصحيح ان المساجد أقفلت، ولكن أبناء المدينة القديمة ما زالوا يحافظون على عادات وتقاليد وموروثات لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الصعاب، ومنها "المسحراتي" وجولاته الليلية وبقي صوته يصدح بعبارته الشهيرة "اصح يا نايم... وحد الدايم... رمضان كريم"، ليكسر صمت "التعبئة العامة" وروتين "الحجر المنزلي" الذي طال أمده لمنع تفشي الوباء.
كل أبناء المدينة القديمة يعرفون جيدا المسحراتي عباس قطيش، الذي بات ملازما لشهر رمضان المبارك والذي يواظب على المهنة منذ سنوات عديدة، يحفظون إسمه عن ظهر قلب، الى جانب المسحراتي محمود فناس الذي ورث المهنة عن والده محمد فناس الذي رحل في العام 2018 وكان آخر من تبقى من الرعيل الأول من المسحراتيّة في لبنان، وهما مكلفان من دار الافتاء الاسلامية للقيام بجولات التسحير الليلية.
القطايف الملاذ
حركة المسحراتي في صيدا القديمة لم تلغِ الركود، فالغلاء تحول الى وحش يفترس الفقراء وما تبقى في جيوبهم من أموال، لم يعد بمقدورهم شراء كل ما يحتاجونه، بسبب ارتفاع الاسعار اضعافا مضاعفة، نتيجة الازمة الاقتصادية والضائقة المعيشية الخانقة، وقد جاء فيروس "كورونا" ليصب الزيت على النار، ثم شهر رمضان المبارك لتعيش صيدا وخاصة احيائها القديمة الشهر الفضيل بنمط مختلف تماما عن السنوات السابقة، لم تقتصر على اقفال المساجد وتعليق صلوات "الجمعة والجماعة والتراويح"، وانما إمتد الى اقفال المقاهي الشعبية ومنع السهر والاختلاط والزيارات، وغياب الكثير من أنواع الطعام والحلويات والعصائر على موائد الصائمين قسرا وخاصة "صحن الفتوش" وشراب الجلاب والتمر والعرق سوس وسواها، وحده "القطايف" حافظ على حلاوته، اذ بقي رخيصا قياسا على أصناف الحلويات الأخرى.
حسن العوجي احد معلمي صنع القطايف، ورث المهنة عن أبيه وقبله جده، ينهمك في شارع "الشاكرية"، بصبّ العشرات منها، يسكب الخليط فوق صفيح من حديد ساخن، قبل ان يجفّ على النار، ويصبح عجينة "القطايف"، فينقلها على الواح من الخشب لعرضها للبيع، حيث يقبل الزبائن بعدما بات مشهورا في المنطقة.
ويقول العوجي إن هذه الحلوى (القطايف) مكونة من "الطحين والحليب والمياه، تخفق جيداً ثم تصب على فرن مسطح من النار لتجف بقطع صغيرة أو كبيرة، ولاحقا يتم حشوها بالقشدة أو الجبنة او الجوز ثم نصبّ عليها "القطر" (السكّر الذائب) كي تصبح جاهزة للأكل".
واضاف: "ان سعر الكيلو 5000 ليرة لبنانية وهي رخيصة قياسا على اسعار الحلويات الرمضانية الاخرى، وفي ظل تردّي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين"، قبل ان يؤكد ان "الاقبال عليها يكون كثيفا أكثر لو لم ترتفع سعر "القشدة"، كذلك حال الجبنة وهذا ما يدفع بالناس لحشوها بالجوز أو "المهلبيّة" للتوفير على انفسهم المزيد من الاعباء المالية.
ويقول الحلونجي ابو ابراهيم عكاوي الذي يملك محلا مجاورا "ان الناس باتت تبحث عن "الضروريات" بينما الحلويات اصبحت من "الكماليات" في ظل الغلاء، رغم ان اسعارها ما زالت مقبولة في المحال التي تعتبر شعبية، الا ان الاقبال عليها تراجع كثيرا"، مضيفا "شهر رمضان المبارك حرك الاقبال على شراء "القطايف" وبعض اصناف الحلويات الاخرى الرخيصة، كي تعطي الصائم طاقة خلال ساعات النهار، ندعو الله ان يرفع البلاء والغلاء عنا وتعود الحياة الى سابق دورتها".
حسن شامية وهو رب عائلة مؤلفة من خمسة اشخاص، يوضح انه لم يدخل الى منزله اي صنف من اصناف الحلوى في شهر رمضان المبارك بسبب الغلاء، زوجته تصنع الحلوى البيتية، وهذه المرة اشترى القطايف ليدخل الفرحة الى قلوب ابنائه ولكنه سيحشوها بـ"المهلبية"، لانها تصنع بالبيت ولا يستطيع شراء الجبنة او الجوز بعد ارتفاع اسعارها.