الخميس الماضي إنطلقت المرحلة الثالثة من عودة المغتربين اللبنانيين، فوصلت الى لبنان طائرات من دول عدّة من العالم، والجديد في هذه المرحلة هو اعتبار فحص "الكورونا" إلزاميا قبل صعود أيّ فرد على متن الطائرة، باستثناء القادمين من الدول التي لا تملك نظاما صحيا جيدا.
منذ اليوم الأول لعودة المغتربين، كان التحذير من انتشار الوباء بحال لم يتم التعامل مع الملف بجدية مطلقة. اليوم لم يعد بالإمكان الحديث عن جدّية، بعد أن تبين أن المسألة لا تتعلق فقط بعمل الدولة، بل بواجبات المغتربين أنفسهم، خصوصا أولئك الذين عادوا ضمن المرحلة الثانية، وأثبتوا أنهم أبعد ما يكون عن المسؤولية الوطنية، وبالتالي ها نحن نرفع الصوت مجددا قبل وقوع الكارثة، بأن يتم حجر العائدين بالقوّة من قبل الدولة، وعدم السماح للمتفلّتين تدمير آمال اللبنانيين بالعودة الى الحياة في وقت قريب.
قلنا أن حجم الخسائر التي يتعرّض لها الإقتصاد اللبناني جرّاء الإقفال العام أضعاف ما يُمكن دفعه لحجر المغتربين العائدين بالقوّة، اذ يشير الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان الى أن لبنان تكبد خسائر إقتصاديّة كبيرة نتيجة الإقفال العام، وفي ذروته قُدرت الخسائر بـ120 مليون دولار يوميًا من حجم الإقتصاد، وهذا الرقم ليس خيالا، بل حقيقة يومية، مع العلم أن حجر العائدين قد لا يكلّف الدولة 1 أو 2 بالمئة من نسبة الخسائر.
ويضيف بو سليمان: "الخسائر تتوزع على قطاعات عديدة، وعلى رأسها القطاع السياحي الذي تضرّر بشكل كبير وتتراوح خسائره بين 25 و30 مليون دولار يوميا، يليه القطاع التجاري الذي يخسر حوالي 10 مليون دولار يوميا، أما القطاعات الصناعية فتقدر خسائرها بحوالي 20 مليون من العملات الصعبة في اليوم الواحد"، لافتا الى أن "الحركة الإقتصادية في البلاد مشلولة، وواردات الدولة اللبنانية تراجعت بشكل كبير، وهناك تراجعا في عائدات الضريبة على القيمة المضافة، كما أن واردات الخزينة التي بدأت بالإنخفاض في 17 تشرين الأول من العام الماضي لا تزال تواصل تراجعها، والبطالة في لبنان تجاوزت الـ40 بالمئة، والضرائب على أرباح الشركات تراجعت بشكل كبير كون معظم الشركات تكبّدت خسائر كبيرة في الفترة الأخيرة".
يرى بو سليمان أنه بحال "شئنا أم أبينا سنصل إلى وقت قريب نجد أنفسنا مضطرين لرفع الحجر الصحي وإنهاء مرحلة التعبئة العامّة مع مراعاة التدابير الوقائيّة المحددة، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها أنّ الاقتصاد اللبناني لا يتحمّل المزيد من الخسائر، وانّ عددا كبيرا من اللبنانيين يعملون بشكل يومي". فكيف يمكن الوصول الى هذه المرحلة؟.
بالنسبة الى مسألة عودة المغتربين فلا حلّ الا بالحجر الإلزامي، وكل تأخر تقوم به الدولة في هذا السياق سيعني مزيدا من الإصابات، لأنّ نسبة الالتزام بالإجراءات لن تصل الى 100 بالمئة بأيّ شكل من الأشكال. أما بالنسبة الى الإصابات بين المقيمين، فإن تجربة العزل الكامل للقرى والبلدات قد يكون الحلّ، اذ لا ضرورة لعزل لبنان، في حين بإمكاننا عزل المناطق المصابة، وهكذا لا يكون التعطيل والإقفال شاملا، ويبقى بإمكان الأكثريّة ممارسة أعمالها وتسيير الإقتصاد.
عُزلت بشري سابقا وأثبت العزل جدواه، فلم يخرج وباء كورونا من المدينة المذكورة الى أي مكان، واليوم تُعزل شحيم، بعد تسجيل عدد من الإصابات فيها، ويمكن تطبيق هذا الخيار على كل مكان ينتشر فيه الفايروس، بعيدا عن تفكير المناطقيّة والطائفيّة، وعقليّة الـ6 و6 مكرر، علّنا نتمكن من اجتياز امتحان الكورونا، والعودة الى الحياة، لأن انهيار الإقتصاد سيعني انهيار لبنان.