يكاد لا يمر يوم، الا والحديث عن "الصراع على الرئاسة"، و"السباق الى الرئاسة"، و"المنافسة على الرئاسة"، يأخذ طريقه الى الاعلام. ولم تنفع كل المشاكل والتحديات التي واجهت لبنان، ولا تزال، (وهي بالقول والفعل لا تعدّ ولا تحصى وتبلغ اقصى درجات الخطورة والمأساوية) في الحد من هذا الحديث او اطلاقه في الوقت المحدد له، اي مع قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون.
في الواقع، كان هذا الموقع مدار صراع بين الزعماء السياسيين من الطائفة المارونية على مر العصور، ولكن قلة منهم فقط تمكنت من الوصول الى المنصب، وغالباً ما كان يتم الاتفاق على شخصية من خارج نادي رؤساء الاحزاب لتولي هذه المسؤولية، الى ان استقر الرأي في الفترة الاخيرة على اعتماد عسكريين (قائد الجيش تحديداً) لتولي هذه المسؤولية. لم يتغيّر الشكل مع الرئيس الحالي والقائد السابق للجيش، انما المضمون، فهو اتى بعد ان كان على رأس تيار سياسي "التيار الوطني الحر" ومع قاعدة شعبية مهمّة ووسط تمثيل نيابي وازن. هذا الامر قلب المفاهيم التي كانت سائدة، فهو اتى في ظل توافق لبناني-دولي عليه رغم المعطيات المذكورة. اليوم، وبغض النظر عن الواقع الحالي للعهد في ظل التجاذبات التي تحيط به، وانقسام الآراء حوله بين مؤيدة للخطوات التي يتخذها ومعارضة لها، يمكن القول ان عون اعاد الروح الى منصب الرئاسة، وهو امر ما كان ليحصل لو كان غيره في الموقع، ولمن يفكّر بالعكس، ما عليه سوى تذكّر ما كانت عليه الامور قبل وصول عون الى الرئاسة، والشكوى من ان منصب رئيس الجمهورية ليس سوى ارضاء للمسيحيين ولا قوّة فعلية له، وانه منصب شرفي في الدولة لا يقدّم ولا يؤخّر. وها ان الامور تبدّلت بشكل جذري، فمؤيدو عون يعتبرون ان رئيس المهورية يقوم بما لم يقم به من سبقه الى سدّة الرئاسة في العقود الاخيرة من الزمن، على الرغم من استمرار شكواهم حول النقص في صلاحيات الرئاسة (وهي شكوى صدرت عن عون ايضاً)، الا انهم يرون ان الرئيس الحالي استطاع فرض نفسه في الكثير من المحطات المهمة والرئيسية لانقاذ الاوضاع وتصحيح الامور. في المقابل، يأخذ معارضو عون عليه انّه استغل موقعه للتصرف بطريقة غير جامعة واساء استغلال منصبه لفرض واقع يريح تياره السياسي وصهره النائب جبران باسيل. في الحالتين، هناك اعتراف بأن روحية الرئاسة قد عادت، وباتت محط اهتمام للعديد من السياسيين، وما الحديث عن صراع قائم بين باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجيه وامكان انضمام رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع اليهما في معركة الوصول الى الرئاسة، سوى دليل واضح عن مدى الاهميّة الّتي بات هذا الموقع يستحوذها. ولكن، فلنتخيّل ما كانت عليه الامور لو وصل اي منهم الى الرئاسة بدلاً من عون. بداية، لم يكن لباسيل اي حظوظ لانه لم يكن معروفاً سياسياً او شعبياً وكان عون هو "الكل في الكل".
وليس خافياً على احد ان باسيل لا يتمتّع بالقدرة على تأمين التوافق حوله، وبالتالي قد يكون من الصعب تخيّله في هذا الموقع، خصوصاً في ظلّ الهجمة التي يتعرض لها من الكثير من السياسيين من مختلف الطوائف. وحتى لو كان وصل الى قصر بعبدا، لكان تعرّض لمقاطعة كبيرة من قبل شرائح عديدة من السياسيين، ولكان انحصر همه في تأمين التوافق حوله.
اما فرنجيه، فوضعه ليس بالاسهل نظراً الى رؤيته وخطه السياسي الذي يضعه، قبل ان يصل الى الرئاسة، في مواجهة العديد من اللبنانيين الآخرين. وفي حال حصل بالفعل على لقب الرئيس، فإن اسلوبه في الكلام وطريقته في التعاطي مع الاطراف الاخرى من السياسيين ستضعه ايضاً في خانة "المغضوب عليهم" من قبل الكثيرين، وسينحصر همّه ايضاً في تأمين التوافق حوله.
وما ينطبق على فرنجيه، ينطبق ايضاً على جعجع انما من منطلق معاكس من حيث الرؤية والخط السياسي، ولن يتمكن من جعل اللبنانيين يلتفّون حوله بسهولة، وسيتعرض ايضاً لمشاكل كثيرة على الصعيد الداخلي.
باختصار، وبينما يتمحور معظم الحديث عن هذه الشخصيات الثلاث عندما يتعلق الامر برئاسة الجمهورية، واياً تكن الفرضيات والتوقعات، على الجميع ان يذكر الواقع الذي يشير بما لا يقبل الشك الى ان عون هو الذي أعاد الروح الى الرئاسة، بحلاوتها ومرارتها، وجعلها من جديد قالب حلوى يشتهيه الجميع.