عشية الأحد السادس من زمن القيامة، في السابع عشر من الشهر الحالي، انتقل الأب يوسف سامي يوسف الكبوشي الى الملكوت السماوي. وعلى غرار الأنبا سرابيون الذي يحتفل السنكسار الشرقي بذكراه في مثل هذا اليوم عرفنا الأب يوسف رسول محبة لكل " المتعبين والثقيلي الأحمال". اختتم رسالته ككاهن مساعد لرعية القديس ميخائيل في الشارقة، وكانت رسالته تمتد الى الإمارات الشمالية وصولا الى رأس الخيمة.
أسلم الروح بعد صراع مع فيروس كورونا دام ثلاثة أسابيع في مدينة الشيخ خليفة الطبيّة في عجمان. كان الأب يوسف يعاني من أمراض عدة وأتى الفيروس المستجد ليزيد الحمل على جسده الضعيف، وهو ما أدى الى تراجع صحته، ولم يُسعفه جهاز التنفس الاصطناعي بداية ولا عملية الخلايا الجذعية في نهاية المطاف، ربما لأن "ساعته قد أتت" ليكون أول كاهن كاثوليكي يتوفى بفيروس كوفيد 19 في الخليج، حيث يخدم الأباء الكبوشيون منذ أكثر من خمسة عقود، في أجواء من الانفتاح والتسامح تجلّت العام الفائت بالزيارة التاريخية وغير المسبوقة للبابا فرنسيس الى أبو ظبي.
تروي طبيبة الأب يوسف أنه في ساعته الأخيرة، كان يستمع الى ترانيم أرسلها له أبناء رعيته الذين لم يتركوه لحظة وواكبوه بالصلاة عبر وسائل التواصل، بسبب منع الزيارات عنه. وكأني بالأب يوسف في تلك اللحظات يتحضر سلفاً، على غرار من سبقه من الأبرار، للانتقال من هذه الدنيا الى "أورشليم السماوية" بعدما تمّم واجباته الدينية.
تفتقده رهبنته كما بلدته دير دوريت الشوفية في جبل لبنان التي أبصر النور فيها في العام 1957. التحق بالرهبنة الكبوشية وأبرز نذوره في الرابع من تشرين الثاني من العام 1977. درس الفلسفة واللاهوت في جامعة الروح القدس الكسليك وسيمَ كاهنا على مذبح الرب في الثاني من تموز من العام 1988. أعطى الأب يوسف كثيرا للجاليات المسيحية المقيمة في الخليج منذ مطلع تسعينيات القرن الفائت. فخدم الجاليتين العربية والفرنسية في كنيسة القديسة مريم في دبي (1993-1995) ومن ثم في كنيسة سيدة الوردية في الدوحة (2004-2008) وفي كنيسة القلب الأقدس في المنامة (2008-2011) وفي كاتدرائية القديس يوسف في أبو ظبي (2011- 2015) وفي كنيسة القديسة مريم في العين 2016). كما شغل الأب يوسف يوسف مناصب عدة في الرهبانية الكبوشية من بينها (منصب الرئيس الإقليمي للرهبنة في الشرق الأوسط وعضو المجلس الأسقفي في شبه الجزيرة العربية (2011- 2020)...
تدمع أعيننا على الأب يوسف كما دمعت عينا يسوع على صديقه أليعازر مع انه كان يعرف أنه سيقوم من الموت، لأن عاطفتنا البشرية تغلب أحياناً إيماننا بالرجاء. إنما نحن على يقين تام بأننا لا نودع اليوم ميتا دُفن في التراب، إنما نحتفل بميلاد شفيع جديد لنا في ملكوت الله.
بقلم انطوان خليل عون.