لن تترك أزمة إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة جانباً من حياة المواطنين من دون أن تؤثر عليه سلباً، نظراً إلى أن الإقتصاد الوطني "مدولر" على نحو كبير، وهنا تبرز أزمة أسعار السيارات، الجديدة أو المستعملة، التي قد يعتبرها البعض غير أساسية، لكن في بلد يغيب فيه النقل العام المشترك تصبح أكثر من ضرورية.
السّيارة الخاصة في لبنان ليست رفاهية مطلقة بل حاجة أساسية، ما يبرر وجود أكثر من سيارة في المنزل الواحد، لكن بعد اليوم بات على أي مواطن يفكر بشراء سيارة أن يراجع حساباته أكثر من مرة، نظراً إلى أن تكاليفها باتت مرتفعة، بينما في المقابل لا يبدو أن الشركات في وارد إستيراد المزيد من السيارات، إلا أن السؤال الأساسي هو من يملك الأموال للشراء، بعد أن توقفت أغلب المصارف عن تقديم القروض؟!.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على واقع السوق، عبر "النشرة"، إلى أن أغلب الشركات تبيع بموجب شيكات مصرفية، على أساس سعر صرف يتراوح بين 1800 و1850 ليرة مقابل الدولار الواحد، لكن مع مفارقة لافتة تكمن بإرتفاع أسعار السيارات، حيث أن احدى السيارات، التي تصنف إقتصادية، كان يبلغ سعرها نحو 13000$ على سعر صرف 1515، بات اليوم 21000$ على أساس سعر الصرف الجديد المعتمد من قبل الشركات، الأمر الذي أدى إلى تراجع نسبة المبيع، مع العلم أن هذه النسبة كانت في الأصل قد تراجعت في السنوات الماضية، الأمر الذي يدفعها إلى التفكير في عدم إستيراد "موديلات" العام 2021.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن ما ينطبق على السيارات المستوردة الجديدة ينطبق أيضاً على تلك المستعملة، حيث أن الإستيراد في الحالتين بالدولار الأميركي، غير المتوفر في الأسواق، وتوضح أنه حتى لو توفرت العملة الصعبة فالمواطنين لن يفضلوا صرف مبالغ طائلة على شراء سيارة، نظراً إلى أن تلك التي يبلغ سعرها، على سبيل المثال، 10000$ ستباع على أساس سعر الصرف الموجود في السوق، أي ما يقارب 4000 ليرة، وتسأل: "من سيدفع 40 مليون ليرة ثمن سيارة مستعملة في ظلّ تراجع القدرة الشرائيّة عند المواطنين وتوقف الكثيرين عن العمل"؟، وتؤكد أن هذا الأمر سينعكس على جميع العاملين في هذا القطاع.
هذا الواقع، يؤكّد عليه رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزّي في حديث لـ"النشرة"، حيث يشير إلى أن القطاع ذاهب نحو الإقفال والإفلاس، لا سيما إذا لم تسمح المصارف بالتحويلات الماليّة اللازمة للإستيراد، خصوصاً أن البيع يتمّ على أساس شيكات مصرفيّة، ويشير إلى أن هناك في البلد نحو 2200 معرض لديهم مصاريف كبيرة، ويؤكّد أنّ ما يقارب النصف يتّجه نحو الإقفال، حيث أن كل معرض عندما ينتهي من بيع ما لديه من سيارات سيتوقّف عن العمل.
من وجهة نظر قزّي، رجّح استمرار الأزمة ما بين 5 إلى 6 سنوات، وهو الواقع الذي ينطبق على مختلف القطاعات في لبنان، وينفي إمكانية أن يؤثر ذلك على أسعار السيارات الموجودة لناحية إرتفاع سعرها، نظراً إلى أنها تستهلك سنة بعد أخرى، وبالتالي من المفترض أن ينخفض سعرها لا أن يرتفع.
لدى رئيس جمعية مستوردي السيارات الجديدة سمير حمصي صورة أكثر سوداوية، حيث يعتبر، في حديث لـ"النشرة"، أن تجارة السيارات انتهت بسبب أزمة الدولار، ويعلّق ساخراً بدعوة اللبنانيين إلى تحضير "الشعير" لأنهم سيعودون إلى إستخدام الحمير، ويؤكّد أنه اليوم لا يمكن تحويل الأموال للإستيراد، بينما يتم بيع "الستوكات" الموجودة لدى الشركات، في حين أنّ الإقبال تراجع حيث تم بيع 188 سيارة جديدة في الشهر الماضي، مقابل 2000 سيارة في الشهر نفسه من العام 2019، ويضيف: "الأزمة الأكبر تكمن بعدم القدرة على إستيراد قطع الغيار أيضاً".
ويشير حمصي إلى أن ليس هناك من ينظر بعين الأهميّة من قبل المسؤولين لهذا القطاع، ويؤكد أنّ الجمعيّة على تواصل مع جميع المعنيين لكن "لا حياة لمن تنادي"، حيث تم الإجتماع برئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
في هذا الإطار، يشير مدير المبيعات في "OLX" غي فرحات، في حديث لـ"النشرة"، إلى وجود طلب على السيارات، في الوقت الراهن، لكن العرض تراجع، نظراً إلى أنّ التجار لا يستوردون، ويوضح أن الأسعار تختلف في حالة توفر الأموال نقداً لدى الزبون، حيث يستطيع الشاري الحصول على سعر جيد بينما في حال كان الشراء عبر شيك مصرفي فإن السعر يكون أغلى. ويلفت إلى أن الإقبال على شراء العقارات اليوم أكبر، بعد أن كان قطاع شراء السيارات هو الأعلى في الفترة الماضية.