بدأت المواجهة بين إيران وأميركا تصل إلى مراحلها الأخيرة. في مباريات كرة القدم، عادة ما تكون أهداف "الدقيقة التسعين" هي الأصعب. وهكذا هي في علاقة طهران–واشنطن. ما إن نشهد تصعيداً أميركياً حتى نظن أن المسؤولين في إيران سيرضخون أمام هول الضغوطات. ولكن في كل مرة تخرج إيران بقوّة لتصمد أمام كل التهديدات الأميركية.
منذ خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني منذ سنتين تقريباً، تعيش العلاقة بين الدولتين أزمة كبيرة، يصفها البعض بـ"الرقص على الهاوية". لكن الأيام الماضية شهدت تصعيداً إيرانياً من جهة، ورسائل أميركية من جهة أخرى.
بداية، لم تمرّ حادثة إطلاق بارجة ايرانية صاروخاً على سفينة ايرانية أخرى مرور الكرام، فما تم إعلانه يوم الحادثة منذ عشرة أيام تقريباً هو أن الحادثة حصلت نتيجة خطأ تقني أدى إلى إطلاق نيران صديقة، وهذا الكلام تم التشكيك به بعد معلومات استخباراتية أوردتها صحيفة "واشنطن بوست".
هذه المعلومات، التي نُشرت لأهداف أميركية واضحة، أكدت أن هذه الحادثة سببها قرصنة اسرائيلية–أميركية، للدلالة على أن أميركا قادرة على اختراق أيّ مرفأ حيوي في الداخل الإيراني، ولكن سرعان ما نفت إيران هذه الاتهامات، مؤكدة أن ما حصل هو عبارة عن خطأ عسكري، ولم يكن بسبب الإختراق السيبراني الذي اعترفت بحصوله. هذا الهجوم الاسرائيلي الأميركي على منشآت ايرانية، كان قد سبقه هجوم سيبراني إيراني على منشآت مائية في الداخل الإسرائيلي.
في سياق آخر، قرّرت إيران اتخاذ المبادرة، بعد فشل رهانها على الدول الأوروبية. وتكسر العقوبات الأميركية الأحادية بنفسها. فأرسلت باخرة نفط حاملة علم إيران ومتوجهة إلى فنزويلا، التي تتعرض للحصار أيضاً، لتساعدها بالنفط. هذه الباخرة، لم تخرج فقط لإرسال المساعدة، بل هدفها ايصال رسالة ايرانية مفادها أن "العقوبات الأميركية الظالمة لم تعد تجدي نفعاً".
وأهم ما حصل في موضوع الباخرة هو الردّ الإيراني على كل التهديدات الأميركية، عندما تحدّت التصريحات الإيرانية الرسمية أيّ أحد على إيذاء الناقلة. وفي السياق عينه ما كشفت عنه السلطات الصينية بأن 4 ناقلات نفط ايرانية غادرت باتجاه الصين وهي الآن قرب ميناء شنغهاي. وبناء على ذلك، قرر المحور المجابه لأميركا خوض التحدي، وكسر العقوبات المفروضة على دوله.
لكن يبقى التحول الأكبر الذي يحصل اليوم، والذي يؤكد أننا مقبلون على مرحلة جديدة، هو التغيرات على مستوى القيادة في إيران، وأهمها التغيير في موقع أمين مجلس الأمن القومي. فقد نقلت وكالة فارس المقربة من الحرس الثوري عن بعض "المتابعين" أن رئيس البرلمان علي لاريجاني الذي انتهت ولايته مرشح للحلول مكان الأمين الحالي للمجلس علي شمخاني. انتقال لاريجاني إلى مجلس الأمن القومي يطرح علامات استفهام عن مستقبل شمخاني، الذي يتوقع المتابعون أن يحظى بمواقع أكثر حساسية بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، خصوصاً وأنه من عرب إيران (الأهواز) وتربطه علاقات قوية جداً مع العراقيين ودول المحور.
هذه التغييرات المتوقعة والمفترضة يدور الحديث حولها قبل عام كامل من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة أواخر ربيع 2021، والتي ستجري بدورها بعد أشهر قليلة من انتخابات الولايات المتحدة الأميركية لرئيسها الجديد. فماذا ستحمل الأشهر المقبلة معها؟.