لم يسبق ان مثّل رئيس الحكومة حسان دياب لبنان في المحافل الاقليمية والدولية، وهو منذ وصوله الى السراي الكبير، لم يقم بزيارة رسميّة الى أي دولة عربية كانت أم غربية. ومن المعلوم ان ظروفاً كثيرة اجتمعت وادت الى هذه النتيجة، الا ان دياب يبدو انه غير راض عن هذا الامر، ويريد اسماع صوته للعالم بأي طريقة ممكنة. في هذا السياق، يمكن قراءة المقال الذي كتبه رئيس الحكومة ونشرته صحيفة "واشنطن بوست" الاميركيّة، واذا لم يرغب المرء في التوقف عند السطور التي يحملها المقال، واراد الغوص في ما بينها، فسيجد انها اتت اولاً لاثبات "كسر العزلة" التي يقول الكثيرون ان دياب يعاني منها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وثانياً انها بمثابة كلمة لبنان من على منبر الامم المتحدة في اجتماعات الجمعيّة العامة التي تعقد سنوياً في ايلول والتي يتولّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمثيل لبنان فيها منذ وصوله الى سدّة الرئاسة.
في مسألة "كسر العزلة" لم يكن اختيار صحيفة اميركيّة وتحديداً "واشنطن بوست" عن عبث، فهي اعتادت على نشر مقالات لمسؤولين صحافيين من العالم العربي، ولكن المهم هو أن رئيس الحكومة استعان بخلفيته "الاميركية" وظهر من على منبر اميركي للايحاء بأنه قادر ان يوصل صوته، عندما تدعو الحاجة، الى عواصم القرار وبالتحديد الى واشنطن، وليس هناك من "فيتو" اميركي عليه رغم كل ما يقال عن الحكومة وعن سيطرة حزب الله عليها، وعن نية الاميركيين "معاقبة" دياب وحكومته، ولو ان الاعلام لا تتبنّاه الادارة الاميركية، لكنه يبقى مؤشراً مقبولاً عند اللزوم. صحيح ان رئيس الحكومة لم يتطرق الى الامور والشؤون السياسية، ولكنه لم يكتف بوصف المشكلة، بل عمد الى اظهار قيامه بالجهود اللازمة لمعالجتها وبأنها متأتّية من سنوات كثيرة من الفساد، وهو امر يمكن وصفه بـ"مضبطة اتهام" للمسؤولين الذين تعاقبوا على تولي المسؤوليات الرسميّة في العقود الماضية.
وأتبع دياب "اللطشة" بالتأكيد على الرغبة في القيام باصلاحات وعلى ان المفاوضات بدأت بالفعل مع صندوق النقد الدولي، بما يوحي بأنه التزم بالاساليب المتّبعة دولياً والتي لم يقم بها لبنان سابقاً، اذ كان يستعيض عنها باتفاقات مع دولة من هنا واخرى من هناك لتسيير الامور.
اما على صعيد اعتبار المقال وكأنه كلمة لبنان على منبر الامم المتحدة، فهو لانها تضمنت دعوات ومطالبات للاسرة الدولية وبالتحديد للاميركيين ومجموعة العشرين، لوضع استراتيجيات واضحة كفيلة بمنع وصول خطر المجاعة الى مستويات اعظم بكثير مما هو عليه اليوم، كما تضمنت تحذيرات من ان أيّ مصيبة غذائيّة تصيب منطقة الشرق الاوسط، لن تسلم منها اوروبا في المدى القريب والقارات الابعد في المدى البعيد جراء الزحف الكبير للنازحين واللاجئين الذين "سيغزون" البلدان بحثاً عن لقمة العيش، وهو امر اثبت انه يرعب الاوروبيين بشكل خاص والعالم بشكل عام.
قام دياب بخطوة جريئة في هذا المجال، وقد تكون من الامور التي يمكن البناء عليها في المستقبل القريب لتوسيع شبكاته الداخليّة ونسج اخرى خارجية تهدم جدران التباعد الجغرافي والاجتماعي الموضوعة، في انتظار ما ستستفر عنه الخطة الاقتصادية الموضوعة من جهة، والمساعي القائمة لتجنيب اللبنانيين كأس المجاعة المرّ الذي بات يلوح في الافق باعتراف الجميع ووفق ما تبنّاه رئيس الحكومة نفسه إن في كلامه مع المعنيين من مسؤولين لبنانيين او سفراء، او في المقال المنشور في الصحيفة الاميركيّة.
وبعد هذه الخطوة، ما هي الخطوات اللاحقة؟ وهل ستؤدي الغاية منها؟.