حمل عيد الفطر معه حدثان بارزان على الساحة السياسية، الاول ولد ميتاً ويتعلق بشائعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وفاة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، سرعان ما تم نفيها ودحضها، ليبقى السؤال عن كيفيّة ضبط "فلتان السوشال ميديا" ليس فقط في لبنان، بل في العالم اجمع. اما الحدث الثاني وهو الاهم كونه حقيقي وملموس، فتعلّق بعدم تخفيف وتيرة الخلاف القائم بين النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة حسان دياب رغم حلول عيد الفطر. وبدا واضحاً ان الخلاف مستعر بين الرجلين، حيث ادى كل منهما صلاة العيد في مسجد فالتزم رئيس الحكومة الحالي بمسجد الامين، فيما اختار رئيس الحكومة السابق مسجد الامام علي ليوصل رسائله. ومن المنصف القول ان إطلالة الحريري اتت لاهداف اكبر بكثير من اداء الصلاة، فالموقع الذي اختاره اي طريق الجديدة لم يكن عن عبث، وما قيل في الخطبة داخل المسجد لجهة الاشادة بـ"عدم تخلي سعد الحريري عن الطائفة السنية" واستعادة مسألة الزواج المدني وموقف رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ونجله سعد منه لم يكن ايضاً عن عبث، والتجمّع خارج المسجد لتحيّة الحريري من قبل عدد من المناصرين لم يكن عن عبث، فيما وصول مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان وادائه صلاة الفاتحة مع الحريري وبعض رجال الدين على ضريح الحريري الاب لم يكن ايضاً عن عبث. كل هذه المعطيات بدت وكأنها طبيعية وروتينية، ولكنها تحمل دلالات اكبر بكثير، وفي حين نجح دياب في تسجيل عدم تخلّي الطائفة عنه كونه رئيس حكومة والتمسك بصلاحيات هذه المؤسسة الرسمية، سجّل الحريري الهدف نفسه انما اضاف اليه هدفاً آخر تمثل بعدم توليه منصب رئاسة الحكومة حالياً، وبإرسال رسالة مفادها انه لا يمكن اقصاؤه من الطائفة او شعبياً لانه لا يزال حاضراً، وهي رسالة تصلح للبعيدين وللقريبين ايضاً حتى ولو كانوا من اهل البيت.
القاسم المشترك بين الرجلين كان المفتي دريان، وهو وان لم ينجح في تقريب المسافات بينهما، غير انه ارضى الطرفين فبقي الخلاف ضمن حجمه دون ان يزيد او ينقص، وهو امر يمكن اعتباره بالمقبول نسبة الى الوضع الحالي لكل منهما. ولعل الميزة الوحيدة التي حملها معه العيد سياسياً على صعيد التوتر الكبير بين الحريري ودياب، هو انه نجح في ابقاء العباءة السنّية عليهما معاً، وسحب البساط من تحت الحريري بوجه خاص لجهة امكان استعمال هذه الميزة، وهو امر يريح دون شك رئيس الحكومة الحالي الذي تعرّض اكثر من مرة لوضع حرج بسبب الحديث عن تخلّي طائفته عنه وانه لا يمثل السنّة... وامام هذا الواقع المستجد، يستمر كل من الرجلين في الوقوف خلف متراسه، وتحيّن الفرصة لتقليص نفوذ الآخر ومنعه من تحقيق غايته. فدياب يريد ان يُظهر للجميع انّ بامكانه القيام بما لم يستطع الحريري القيام به في عزّ قوته وشعبيّته القوية، فيما يصرّ الثاني على تقويض صورة الاول واظهاره بمظهر غير القادر على اتخاذ القرارات وتنفيذ ما يقال له من احزاب وتيارات اخرى، وعدم قدرته على انتشال لبنان من الازمات التي يغرق فيها.
اما حصيلة معركة العيد، فكانت التعادل الايجابي في انتظار ما ستسفر عنه المعارك الاخرى الدائرة ضمن الحرب الكبرى، والتي لن تنتهي في وقت قريب رغم كل الويلات التي حلّت على لبنان، فهل سينجح دياب في تغيير التقليد المتّبع منذ ايام الحريري الاب، ام سينتصر الحريري الابن ويعيد احياء القاعدة التي لطالما نجحت في "ترقيع" المشاكل اللبنانية؟.