يحطُّ رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب الرحال اليوم (الأربعاء) في مقر قوّات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفل" في الناقورة، بعيداً عن الضوضاء، وببرنامج جرى وضعه بما يتلاءم مع الإجراءات الوقائية بمُواجهة فيروس "كورونا".
يُرافقه في الزيارة نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع زينة عكر عدرة وقائد الجيش العماد جوزاف عون.
سيُتاح لرئيس الحكومة الاطلاع من المروحية التي تقلّه للتحليق في أجواء الجنوب، مُشاهدته جوّاً وبحراً وبرّاً، بما في ذلك المنطقة القابعة على الثروة الغازية والنفطية في الناقورة، التي لا تزال تترقّب بلهفة مُباشرة البحث عن كنز لبنان المدفون.
وأيضاً تنشق هواء فلسطين المُحتلّة من حدودها الشمالية.
تحمل الزيارة الكثير من المعاني والدلالات:
- بأنّها الجنوبية الأولى للرئيس دياب منذ تشكيله الحكومة، بعدما تأجّلت الزيارة التي كانت مُقرّرة سابقاً، تزامناً مع زيارة "المُستشفى التركي للطوارئ ومُعالجة الحروق" في صيدا، قبل أنْ يتم فصلهما، وإبقاء الأمر على زيارة "المُستشفى التركي"، التي كانت مُقرّرة يوم السبت في 11 نيسان 2020، لكنّها طارت أيضاً بفعل الخلل بتوجيه الدعوات للحضور!
- مع احتفال الجنوب بالذكرى الـ20 لعيد المُقاومة والتحرير واندحار المُحتل الإسرائيلي في 25 أيار 2000، في رسالة تأكيد بتمسّك لبنان بسيادته ورفض الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية المُستمرّة.
مشروع قرار فرنسي للتجديد
- اقتراب مجلس الأمن الدولي من التجديد لقوّات "اليونيفل" لمُدّة عام جديد، خلال شهر آب المُقبِل، وسط مُحاولات أميركية لتعديل مهامها بنشرها على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، أو تخفيض عديدها، بعدما كانت قد نشرت قوّاتها المُعزّزة إثر العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، والذي استمرَّ 33 يوماً.
يُقابل ذلك رفض لبناني لتغيير مهام القوّة الدولية أو تقليص عديدها، مع بدء المُحادثات والمُفاوضات لبلورة مشروع قرار تقوده فرنسا وبدعم من روسيا والصين، من أجل عدم المساس بولايتها، والمُحافظة على عديدها، ورفض تعديل مُهامها، بل الإبقاء على ما هو منصوص عليه في القرار 1701 الصادر في 11 آب 2006.
ودعوة جميع الأطراف إلى الحفاظ على السلام، مع التحذير من خطورة الانتهاكات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية للخط الأزرق، ووقف الأعمال العسكرية، وسط
حرص على استقرار لبنان والمنطقة ككل، في ظل القلق الدائم الذي يُبديه مجلس الأمن إزاء الأحداث التي تقع في جنوب لبنان.
يعمد الاحتلال بين الحين والآخر إلى خرق الشريط الشائك والخط الأزرق، وتسيير دوريات خارج الجدار الإسمنتي، الذي تمَّ تزويده ببوابات يُتاح مع فتحها خروج الدبابات والجرّافات، مع تسيير دوريات بشكل دائم وإطلاق مناطيد مُزوّدة بكاميرات مُراقبة، وتحليق طائرات مُسيّرة من دون طيّار.
لا يقتصر العدوان الإسرائيلي على الخروقات بالتحليق الدائم في الأجواء اللبنانية، واستخدامها لقصف سوريا، أو خرق المياه الإقليمية واجتياز الخط الأزرق، بل الطلب الدائم من قوّات الطوارئ الدولية بالدخول إلى مناطق تقع تحت إشراف "جمعية أخضر بلا حدود" لتفتيشها، خاصة في "محمية وادي الحجير"!
كما تُسجّل مُحاولات إسرائيلية لتغيير قواعد التعامل، ويشمل ذلك بأنَّ مَنْ يتجاوز الحدود اللبنانية إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، جرت العادة بأنْ تقوم قوّات الاحتلال الإسرائيلي بتسليمه عبر بوابة الناقورة إلى ارتباط "اليونيفل"، الذي يُسلّمه بدوره إلى ارتباط الجيش اللبناني، أو من خلال "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، التي تسلّمه إلى "الصليب الأحمر اللبناني" بإشراف الأُمم المُتّحدة، حيث يتم تسليمه إلى الجيش اللبناني.
لكن في حالات سُجّلت مُؤخراً بدخول سودانيين تسلّلوا من سوريا إلى لبنان وصولاً إلى منطقة صور ومنها إلى المنطقة الحدودية، وتجاوزوا الشريط الشائك، فأوقفهم الاحتلال، الذي بعدما حقق معهم قام بفتح بوابة الجدار الذي أشاده، ورمى بهم ليلاً مُعصوبي الأعين إلى خارج الجدار، وانتظروا حتى ساعات الفجر ليستقلوا سيارة تاكسي باتجاه صور، حيث جرى توقيفهم والتحقيق معهم من قبل مُخابرات الجيش اللبناني.
الحسابات الإسرائيلية!
كذلك، فإنّ الفترة الحالية والمُقبلة ستكون حسّاسة ودقيقة، ولا يُمكن إسقاط أي من الحسابات المُتعدّدة، بعد تسوية رئيسي حزبي "الليكود" بنيامين نتنياهو و"أزرق أبيض" بيني غانتس بتشكيل حكومة ائتلاف بينهما، نالت 73 صوتاً في "الكنيست" وبمُعارضة 46، والإسراع بضم أراضٍ في الضفّة الغربية وغور الأردن، وسعي كل مُنهما للاستفادة من الفرصة.
نتنياهو ليُتوّج ملكاً لـ"إسرائيل" بأطول فترة لـ5 ولايات في رئاسة الحكومة، وهو الذي بدأت مُحاكمته الأحد الماضي تحت قُوّة قانون المحكمة بمُواجهة 3 تهم بالفساد.
وغانتس، الذي حقّق بتحالفه مع نتنياهو ما لم يكن يحلم به، بانتخابه رئيساً لـ"الكنيست"، ثم بعد التوافق على تسلّمه نائب الرئيس بعد 18 شهراً، وفي حال عُزِلَ نتنياهو يتسلّمها مُباشرة، قدّم استقالته من رئاسة "الكنيست"، وتسلّم مهام وزير الدفاع، في أوّل مُهمة حكومية له، وهو الذي خاض تجربتين يوم تولّى مهام الرئيس الـ20 لأركان جيش الاحتلال على مدى 4 أعوام و25 يوماً، مع قطاع غزّة في العامين 2012 و2014.
بينما لم يخض وهو يتولّى تلك المهام أي حرب مع لبنان، وإنْ كان قد شارك في "عملية سلامة الجليل" في غزو لبنان في 6 حزيران 1982.
كذلك مع تسلّم غابي أشكنازي وزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي له خبرة كبيرة مع لبنان منذ مُشاركته في "عملية الليطاني" باجتياح آذار 1978، يوم أُصيب في معركة مرجعيون، وثم نائباً لقائد "لواء غولاني" في غزو 1982، وقائداً للجبهة الشمالية في جيش الاحتلال منذ العام 1996 وحتى اندحاره في العام 2000، قبل تسلّمه رئاسة الأركان الـ19، بعد إخفاق دان حالوتس في عدوان تموز 2006.
وأكد أشكنازي بعد تسلّمه مهامه الجديدة أنّ "المُواجهة مع لبنان لم تنتهِ بعد".
التجديد لقائد "اليونيفل"
أيضاً مع موعد التجديد للقائد العام للقوّات الدولية، الذي يطمح قائدها الـ16 الإيطالي اللواء ستيفانو ديل كول، إلى التجديد لولاية ثالثة، وأمر التجديد بات محسوماً من قِبل الأمين العام أنطونيو غوتيريش - بعدما كان قد كلّف بالمُهمة في 12 تموز 2018، وتسلّمها من سلفه الإيرلندي اللواء مايك بيري في 7 آب من العام ذاته.
لكن الفارق بين الإثنين، أنّ بيري كان منحازاً إلى الكيان الإسرائيلي خلال توليه مهامه، وسُجلّت شبه قطيعة جنوبية مع "اليونيفل"، وتباهى بحضوره احتفال جبل هرتزل بالتغريد عبر حسابه على "تويتر"، دون أي اعتذار من اللبنانيين، ما دفع برئيس مجلس النوّاب نبيه بري إلى رفض استقباله قبل مُغادرته لبنان.
فيما استطاع كول أنْ يلمس بشكل ميداني الخصوصية الجنوبية، مُستفيداً من خبرته التي اكتسبها، منذ أنْ انضم إلى الوحدة الإيطالية في العام 2008، وتعيينه قائداً للكتيبة الإيطالية والقطاع الغربي بين عامي 2014-2015، فضلاً عمّا اكتسبه خلال مُهمّته في كوسوفو وليبيا، تحت الفصل السابع، وفي الجيش الإيطالي، وتخصّصه في العلاقات الدولية والعلوم الدبلوماسية والاستراتيجية.
كل ذلك، ساعده على نسج علاقات مع مسؤولين وفاعليات وقيادات جنوبية ولبنانية على مُختلف المُستويات، والعمل على مُعالجة الحوادث التي تحصل من الحين إلى الآخر بين أهالي البلدات و"اليونيفل"، بدخول العناصر من دون تنسيق مُسبق، أو تصوير المنازل والأهالي والأماكن، فضلاً عن حوادث السير.
يُدرك كول أنّ مُهمته هي "حفظ السلام وليس حماية أمن إسرائيل"، وهو ما نجح به حتى الآن.
وكان لافتاً موقفه خلال الاجتماع الثلاثي الاستثنائي، الذي ترأسه مؤخراً في الناقورة، وهو الأوّل منذ بدء تفشي جائحة فيروس "كورونا"، شجبه وإدانته للخروقات الإسرائيلية، خاصة استباحة الأجواء اللبنانية واستخدامها لقصف سوريا، فضلاً عن الخط الأزرق.
كما أنّ هناك تأخّراً بتبديل وحدات في "اليونيفل"، يبلغ عديدها حوالى 6 آلاف جندي، مع ما يتطلّبه ذلك من تبديل في الآليات والأعتدة، وضرورة مُراعاة ذلك، لجهة الحجر، واتخاذ الخطوات لمنع تفشي فيروس "كورونا".
فيما الجنوبيون يحتفلون بعيد التحرير، يعود الحديث مُجدّداً عن مشروع قانون العفو، وإصرار فريق من اللبنانيين على عودة عملاء العدو الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، بما في ذلك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية شرط تخليهم عنها، وهو ما يُقابل برفض لبناني كبير.
عديد قوات "اليونيفل"
تُشارك في قوّات "اليونيفل" 45 دولة بما مجموعه 10042 جندياً (بينهم 850 جندياً في القوّة البحرية مع 6 سفن حربية) وحوالى 800 مُوظّف مدني.
تتفاوت هذه المُشاركة بين مَنْ انسحب سابقاً مثل قطر، أو المُشاركة الرمزية بجندي واحد، وهو الذي ينسحب على 7 دول، بينما تتصدّر قائمة الدول الأكثر عدداً أندونيسيا بـ1254 تليها إيطاليا بـ923 جندياً.
فقدت "اليونيفل" خلال 42 عاماً من انتشارها منذ آذار 1978، أكثر من 300 جندي، بينهم مَنْ سقط باستهدافها بالعديد من الهجمات.
أوكلت إلى قوّات "اليونيفل" في أعقاب عدوان تموز 2006، مُهمّة رصد وقف الأعمال العدوانية والعسكرية، ومُراقبة ذلك عبر دوريات للقوّات البرية والبحرية وطائرات مروحية، ودعم القوّات المُسلّحة اللبنانية خلال انتشارها في جميع أنحاء الجنوب، بما في ذلك على طول الخط الأزرق.