قبل يومين احتفل لبنان بعيد المقاومة والتحرير في 25 أيار عام 2000 ،ففي مثل هذا اليوم صنعت المقاومة الشعبية والمسلحة مجد لبنانوالأمة عندما ألحقت الهزيمة المدّوية بجيش العدو الصهيوني وحطمتأسطورته، وأجبرته على الرحيلِ عن معظمِ الجنوب والبقاع الغربي، بلاقيد ولا شرط أو أيّ ثمن مقابل، وذلك لأول مرة في تاريخ الصراعالعربي الصهيوني.. ومنذ ذلك التاريخ حاول قادة العدو الصهيونيومعهم إدارة العدوان في واشنطن وعواصم الغرب والرجعية العربية،التخلص من هذه المقاومة، التي تجرّأت على هزيمة القوة التي قيليوماً إنها لا تقهر.. وعمدوا إلى المسارعة لشنّ الحروب بكلّ أنواعها،المباشرة وغير المباشرة، الخشنة منها والناعمة الخبيثة، للقضاء علىالمقاومة، التي تحوّلت إلى نموذج ومثال وقدوة بالنسبة للجماهيرالعربية وأزالت من عقول أبنائها مفاهيم الاستسلام والخضوع للأمرالواقع الصهيوني والخوف واليأس والإحباط، التي سادت نتيجة الهزائمالعربية السابقة على انتصار المقاومة، وزرعت مكانها الشعور بالعزةوالكرامة وإمكانية تحقيق حلم الأمة بتحرير فلسطين… غير أنّ هذهالحروب الأميركية الصهيونية الغربية العربية الرجعية فشلت فيتحقيق هدفها، وجاءت نتائجها معاكسة تماماً، حيث ازدادت المقاومةقوة، عدة وعتاداً، وكماً ونوعاً، وتحوّلت إلى جبهة واسعة في المنطقةتحاصر كيان العدو الصهيوني لأول مرة منذ عام 1948، تحاصره ببيئةاستراتيجية جديدة لمصلحة المقاومة عمّقت مأزق كيان العدو المتولدمن هزائمه في لبنان وغزة.. فبات العدو أكثر تأزّماً وارتداعاً وقلقاً علىأمنه واستقراره ومستقبل وجوده الاستعماري الاستيطاني على أرضفلسطين المحتلة.. هذه النتائج ترسّخت بعد فشل الحروب الأميركيةالغربية الصهيونية والعربية الرجعية:
أولاً، إخفاق حرب إثارة الفتنة المذهبية عبر اغتيال الرئيس رفيقالحريري واستدراج المقاومة إلى الوقوع في فخها، فلم تنجح هذهالحرب في تحقيق هدفها، حيث أنّ وعي قيادة المقاومة قطع الطريقعلى الفتنة وأسقط أهداف المخطط، الأميركي الصهيوني للنيل منالمقاومة وتشويه صورتها والإساءة إلى سمعتها، وفشلت بالتالي خطةفبركة توجيه الاتهام للمقاومة بالوقوف وراء جريمة اغتيال الحريري..
ثانيا، فشل حرب تموز ٢٠٠٦، الأميركيّة الصهيونيّة بغطاء رجعي عربي،في سحق المقاومة.. حيث نجحت المقاومة في إلحاق هزيمة جديدةبجيش العدو الصهيوني، هزيمة أشد وأقسى من هزيمة عام ٢٠٠٠، ماأدى إلى زلزال جديد في قلب الكيان الصهيوني أكثر قوة من الزلزالالأول.. وهو ما ادخل الكيان في مأزق استراتيجي وتكتيكي، وجعله فيحالة ارتداع أمام المقاومة ورجالها الأبطال الذين أذلوا جنود النخبة فيجيش الاحتلال، بحيث ترسخت الهزيمة في عقول الجنود الصهاينة،وسادت في أوساط القيادة العسكرية والأمنية الصهيونية ما سمّي«عدم اليقين» بتحقيق النصر في حال أقدمت «إسرائيل» على شنّحرب جديدة ضدّ المقاومة، خصوصاً في ظلّ انهيار المعنويات لدىجنود العدو، في مقابل الروح المعنوية العالية التي يملكها المقاومونالذين نجحوا في تغيير المعادلة في الميدان وإدخال الكيان في زمنالهزيمة والانكسار.. وبالتالي كي وعي جيش الاحتلال، ضباطاً وجنوداً،الذين لا زالوا يعانون حتى اليوم من كوابيس الرعب والهلع نتيجةضربات المقاومة الموجعة التي تعرّض لها جيش الاحتلال قبل هزيمتهعام ٢٠٠٠، ونتيجة المواجهات المباشرة والقاسية مع رجال المقاومة فيبنت جبيل ومارون الراس ووادي الحجير، وغيرها من المناطق..
ثالثاً، فشل الحرب الإرهابية الكونية بقيادة الولايات المتحدة فيإسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة برئاسة الرئيس بشار الأسد،والتي هدفت أيضاً إلى محاولة قصم ضهر المقاومة من خلال السعيلإسقاط قلعتها العربية وعمود خيمة محور المقاومة، كما وصفها قائدالمقاومة سماحة السيد.. وأدى ذلك إلى سيادة المناخات التالية:
1ـ إقرار الدول المعادية لسورية بأنّ الرئيس الأسد وحلفاءه في محورالمقاومة وروسيا انتصروا، وأنّ سورية باتت في طريقها لتحقيق النصرالنهائي على ما تبقى من إرهابيين، وإجبار القوات المحتلة التركيةوالأميركية على الرحيل عن أرضها، وأنّ ذلك أنتج وسينتج موازين قوىجديدة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي ليست لمصلحة أميركاو»إسرائيل».
2ــ ارتفاع منسوب القلق داخل الكيان الصهيوني، من أن انتصار الرئيسالأسد يسهم في تعزز قوة قوى المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلةوعموم المنطقة، وبالتالي يشكل هزيمة استراتيجية لـ «إسرائيل».. لاسيما أن هذا الانتصار يعني أيضاً الفشل في محاولة فك عرى التحالفالاستراتيجي بين سورية وإيران، وكذلك الفشل في الاستفراد بالشعبالفلسطيني ومقاومته، وبالتالي سقوط الرهان الإسرائيلي الأميركي علىتصفية قضية فلسطين..
رابعاً، نجاح مقاومة الشعب العربي في اليمن في إحباط أهداف العدوانالأميركي الصهيوني السعودي لإعادة إخضاع اليمن ومنعه من التحررمن التبعية للولايات المتحدة والمملكة السعودية، وهذ النجاح للمقاومةاليمنية شكل ضربة موجعة لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الأميركية فيالوطن العربي وضربة قوية لكيان العدو الصهيوني، بسبب الموقعالجغرافي الاستراتيجي لليمن على طريق التجارة العالمي، واستنزافالنظام السعودي وإضعاف قوته ودوره الرجعي الخطير في خدمةالسياسة الأميركية الصهيونية، ولهذا فإنّ صمود المقاومة الشعباليمني جعل جبهة المقاومة تتوسّع وتزداد قوة وقدرة وتأثيراً…
خامساً، التحوّلات الحاصلة في موازين القوى في العراق لمصلحة قوىالمقاومة، وما يعنيه ذلك من فشل لأهداف الحرب الأميركية الصهيونيةلتحويل العراق إلى قاعدة للتآمر على إيران وسورية ومنع التواصلالبري بينهما..
سادساً، تنامي قوة إيران الثورة ونجاحها في كسر الحصار الأميركيوفرض معادلات الردع في البر والجو والبحر في مواجهة القوةالأميركية.. وهو ما تجسّد في إسقاط طائرة التجسّس الأميركيةالمتطورة العام الفائت، ومن ثم قصف قاعدة عين الأسد الأميركيّةبصواريخ متطورة رداً على إقدام الجيش الأميركي باغتيال قائد قواتالقدس الشهيد الفريق قاسم سليماني، وتكتم واشنطن على خسائرهاالعسكرية والبشرية، إضافة إلى نجاح إيران في منع السفن الحربيّةالأميركيّة من التحكم بمضيق هرمز، وردع القرصنة البريطانية ضدّ ناقلةالنفط الإيرانيّة، وصولاً إلى كسر الهيمنة الأميركيّة عبر إرسال ناقلاتالنفط الإيرانيّة إلى فنزويلا والصين..
سابعاً، وآخر الحروب، الجارية حالياً، هي الحرب الاقتصاديّة الماليّةالتي تستهدف محاصرة المقاومة في بيئتيّها، وتأليب اللبنانيّين ضدّها،من خلال زيادة معاناتهم الاجتماعيّة والارتكاز عليها لإثارة احتجاجاتفي الشارع لفرض تغيير المعادلة السياسيّة والسيطرة على السلطةالتنفيذيّة من قبل فريق مؤيد للسيّاسة الأميركيّة… لكن هذه الخطةأخفقت وكانت النتيجة أن أدّت استقالة حكومة الرئيس سعد الحريريإلى تشكيل حكومة خالية من فريق ١٤ آذار التابع للسيّاسة الأميركيّة..ومع أنّ المعركة في مواجهة الحصار الأميركي لم تنتهِ بعد إلاّ أنّانتصارات محور المقاومة وتراجع الهيّمنة الأميركية لا سيما بعد نجاحإيران في كسر الحصار الأميركي المفروض عليها وعلى فنزويلا، سوفيسهم في إسقاط الأهداف الأميركيّة لمحاولة تحقيق ما فشلت فيهالحرب الإرهابيّة..
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، بعد عشرين عاماً على انتصار عام ٢٠٠٠باتت المقاومة ومحورها أكثر قوةً واتساعاً، في حين أصبح كيان العدوأكثر تأزّماً وارتداعاً، والهيمنة الأميركيّة في حالة انحسار، وموازينالقوى في المنطقة والعالم تتبدّل لمصلحة تعزيز الاتجاه العالمي الساعيلإقامة عالم متعدّد الأقطاب، لا سيما بعد ظهور عجز الولايات المتحدةعن إدارة الحرب العالمية ضدّ كورونا على المستويين الدوليوالداخلي.. وهو ما يضاعف من قلق الكيان الصهيوني الذي استند فينشأته وتثبيت احتلاله، وتعزيز قوته العسكرية والاقتصادية وشنحروبه، إلى الدعم الأميركي الغربي..