في وقت تتركّز انظار العالم على ناقلات النّفط الإيرانيّة التي تصل تباعا الى فنزويلا- حديقة اميركا الخلفيّة، وأمام أعين سفنها الحربية في البحر الكاريبي، في تحدّ جريء وغير مسبوق للعقوبات الأميركية رغم كل التهديدات الناريّة التي اطلقتها واشنطن بمنع تلك النّاقلات من الوصول الى وُجهتها، ما دفع مراقبين دوليين وخبراء عسكريين الى وصف ما يجري هناك ب"النّصر الإستراتيجي" لطهران في وجه الولايات المتحدة، تتحضّر موسكو بدورها – وفق المعطيات العسكرية الواردة من الشمال السوري، لنصر مماثل امام انقرة في ادلب، التي باتت جاهزة لانطلاق معركة حامية الوطيس، وسط حال التوتّر الشديد بين الجانبَين على خلفيّة التطورات العسكرية في ليبيا.
ففيما تشهد ليبيا "منازلة" غير مباشرة بين انقرة وموسكو التي نالتها سهام الإستفزازات التركية، سيما "اهانة" الإطباق على منظومة بانستير وعرضها في شوارع طرابلس، فوجئت انقرة بتعرّض فرقاطة تابعة لبحريّتها في المياه الليبية، لهجوم شنّته طائرات حربية من طراز "ميغ 29"، لتتأكد بدخول هذه الطائرات على خطّ المعارك الليبية، من صحّة الأنباء التي افادت بتمرير موسكو عددا من تلك الطائرات الى المشير خليفة حفتر، ووصولها الى قاعدة طبرق الجويّة شرق ليبيا، غداة "الضربة" التي سدّدتها حكومة الوفاق في قاعدة "الوطيّة" العسكرية بدعم تركي.. وليلحق الهجوم على الفرقاطة التركية، نبأ إطباق قوات حفتر- بمساعدة استخباريّة روسية، على المدعو ابو بكر الرويضاني يوم الأحد الماضي، والمعروف بأنه من اخطر الرؤوس "الداعشية" في سورية، والذي نقلته المخابرات التركية مؤخرا الى ليبيا.
هذا قبل "تسديدة" جويّة روسية على الحساب امس الأربعاء في المرمى التركي، عبر قصف هدف للحزب الإسلامي التركستاني على الطريق الدولي بين اللاذقية وحلب، قرب ناحية الغسانية، وأدى الى مصرع 9 مسلحين وجندي تركي- حسبما اكدت معلومات ميدانية، اضافة الى عدد من الجرحى في صفوف عناصر الحزب المذكور والجنود الأتراك..
ورغم بيان وزارة الدفاع الروسية اليوم الخميس، الذي حمّل الحزب التركستاني مسؤولية التفجير ومصرع الجندي التركي، الا انّ الإستخبارات التركية – التي ترعى وتدعم "التركستاني" بشكل كبير، وصلتها الرسالة الجوية الروسيّة جيدا.
تدرك انقرة انّ الرئيس فلاديمير بوتين لن "يبلع" غدرها بالتفاهم مع روسيا حيال ليبيا، تماما كما فعلت مرارا بالتفاهمات معها حيال منطقة خفض التصعيد الإدلبية، وتتوجّس من احتمال ردّ القيصر الروسي على "الرسائل" التركية في ليبيا، من بريد ادلب السورية.. وهذا ما يفسّره حجم العتاد والحشود العسكرية الضخمة التي ارسلتها انقرة مؤخرا الى الجبهات الإدلبية، والتي تتضمن منظومات دفاع جوي، ووضع الميليشيات المسلحة التابعة لها في جهوزية كاملة، حتى نقاط المراقبة التركية التي رفدتها انقرة ايضا بمئات الجنود الإضافيين، باتت تشبه القلاع المحصّنة الضخمة.
المعطيات العسكرية الواردة من هناك، تجزم قرب انطلاق معركة "كسر عضم" سخّرت لها موسكو ودمشق في المقابل، كل ما يتناسب "وأكثر" مما جهزته انقرة، خصوصا انّ تقارير روسية اكدت مساندة ووقوف الثنائي الأميركي-الإسرائيلي بقوة خلف تركيا في التحضير للمعركة، وكشفت عن وصول مقاتلات "اسرائيلية" الى قاعدة انجرليك التركية للمشاركة في العمليات الجوية، يوم الرابع والعشرين من الجاري، اي تزامنا مع وصول طائرة تابعة لشركة "العال" الإسرائيلية الى مطار اسطنبول.
ورغم وضع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، كل ثقل بلاده العسكري في ليبيا لمواجهة الحلف الداعم للمشير خليفة حفتر ويضمّ مصر، السعودية، الإمارات، فرنسا، اضافة الى روسيا.. وارتياحه لميل دفّة الميدان لصالح قواته على الأقل حتى الآن.. الا انه يتوجّس من مفاجآت قد تهزّ شباك تقديرات فريقه العسكرية في ادلب، تماما كما حصل في معارك الشهور الماضية، التي ابرزت بوضوح هزيمة مدوية لقواته امام الجيش السوري وحلفائه، والتي افضت الى مصرع مئات الجنود الأتراك ومحاصرة نقاط المراقبة التركية، وتدمير ارتالها العسكرية لمرّات متتالية.. ما دفع اردوغان حينها الى توسّل لقاء الرئيس بوتين لإيقاف المعارك.
لتبقى المفاجأة غير المسبوقة التي واجهتها تركيا وقتذاك، في تحرير مدينة سراقب الإستراتيجية.. حينها قاد مقاتلو حزب الله معركة ليليّة أفضت الى تحرير المدينة قبل طلوع فجر الثالث من شهر آذار المنصرم، رغم دخول القوات التركية وطائراتها الحربية ومسيّراتها بشكل مباشر في هذه المعركة..
المفاجأة التي صدمت تل ابيب تماما كما صدمت انقرة، حدت بالمحللين العسكريين "الإسرائيليين" الى السؤال" بعد هذه المعركة التي وضعت فيها انقرة كل طاقتها العسكرية، سيما الجوية، وهُزمت فيها.. هل ستستطيع" اسرائيل" الرّهان بعد الآن على قوتها الجوية في حسم ايّ حرب مقبلة لصالحها مع حزب الله"؟
وفي حين يلفت فيكتور موراخوفسكي-عضو مجلس الخبراء في المجمع الصناعي الروسي، الى اهتمام الرئيس بوتين شخصيا الآن في حسم معركة تحرير ادلب بنصر مبين رغم اصرار الرئيس بشار الأسد على ضرورة حسم تطهير "المعقل الجهادي" وعدم الإلتفات الى مناورات الرئيس اردوغان، ينقل مصدر في موقع "ميدل ايست آي" عن مسؤول عسكري روسي وصفه ب"رفيع المستوى"، اشارته الى كمّ من المفاجآت الميدانية التي ستواجه تركيا في معارك ادلب "المتوقّع انطلاقها في ايّ لحظة"، ملمّحا الى ترجيح حصول "منازلة" جوية بين انقرة وموسكو في اجواء ليبيا!