قانون الحق بالوصول الى المعلومات الذي تمّ إقراره في لبنان، يوهم المواطن بوجود الشفافية فيما العكس هو الصحيح وهذا خطير جداً، والأفضل ان لا يكون هناك قانون من ان يكون هناك قانون مشوّه.
الروحية الأساسية للشفافية هو الّا يضطر المواطن الى طلب الإطلاع على المعلومة او البيانات، بل ان تكون المعلومات متوافرة ومتاحة على المواقع الالكترونية.
لقد استبشرنا خيراً حين بدأ التحضير لقانون الحق في الوصول الى المعلومات، ولكن اكتشفنا لاحقاً انّ القانون تمّ تشويهه ليصبح غير فاعل وفيه ثغرات تسمح بالهدر والنهب، اما أبرز الثغرات فهي:
- عدم إدراج الرواتب والمعاشات وتوابعها، وهذا أكبر باب للهدر والفساد. انّ الشعب اللبناني هو الذي يدفع تلك المعاشات وبالتالي يملك حقاً مقدساً في الاطلاع عليها .
- استثناء المبالغ التي تقلّ عن مبلغ معيّن من حق الإطلاع او النشر، مما يفتح باباً للهدر، حيث يمكن تقسيم اي مبلغ الى مبالغ تتوافى مع الاستثناء. فالشفافية، تقضي بعدم استثناء اي مبلغ مهما كان حجمه، ويحق للمواطن الإطلاع على طريقة صرف كل قرش .
من هنا نطالب السلطة بإلغاء القانون القديم والعمل على إقرار قانون جديد للشفافية، وتحديداً القانون الذي تقدّمت به النائب بولا يعقوبيان «قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة»، والذي يُجبر الإدارة على إعتماد سياسة البيانات المفتوحة، اي ان تجعل كافة بياناتها الادارية مُتاحة للعموم عبر مواقعها الالكترونية (في المرحلة الاولى) أو على بوابة منفصلة للبيانات المفتوحة (في مرحلة لاحقة). فيُصبح الدخول الى المعلومات والملفات والبيانات تلقائياً، لا يحتاج الى اي طلب. هذه هي روحية الشفافية المطلقة، التي تجعل مراقبة المواطن للعمل والقرارات التي تتخذها السلطة تلقائياً من دون تعقيدات القانون السابق، التي تستثني معلومات وتعقّد طريقة العمل والاطلاع.
ونود في هذا السياق ان نعطي مثالاً لتوضيح اهمية الشفافية في مراقبة عمل الدولة. اذا افترضنا انّه يتمّ التخطيط لإنشاء طريق بين قريتين، تكون المراحل كالآتي:
- اولاً، إعداد البلديتين المعنيتين دراسة طوبوغرافية ومخطط اولي للطريق، تتضمن التصوّر الأولي والجدوى الاقتصادية والعقارات التي يمرّ بها هذا الطريق، وتُرفع الى وزير الأشغال. هذه الدراسة الاولية يجب ان تكون متاحة للجميع مع كل التخطيطات والخرائط.
- ثانياً، درس وزارة الاشغال المشروع وارسال مهندس يكشف على صحة المخطط، ويقدّم تقييماً بذلك، تمهيداً للموافقة على المشروع او رفضه. هذا التقييم ايضاً يجب ان يكون علنياً ومتاحاً للإطلاع على اسباب الرفض او قبول المشروع .
- ثالثاً، بعد موافقة وزير الاشغال يُحال المرسوم على رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ويصبح بعد امضائه مرسوماً جمهورياً.
- رابعاً، بعد صدور المرسوم الجمهوري تُعيَّن لجنة استملاك لتخمين قيمة التعويضات، وتقرير هذه اللجنة يجب ان يكون متاحاً وعلنياً، لتُعرف قيمة المبالغ المدفوعة للتعويضات كونها مالاً عاماً.
- خامساً، يقوم مهندس من وزارة الاشغال بالكشف واعداد تصوّر اولي لكلفة المشروع، وذلك عبر تحديد عدد جدران الدعم، نوعية التربة، الطول والعرض الخ. وهذا التقرير يجب ان يكون متاحاً وعلنياً ليخضع للتقييم من كل من عنده خبرة لتحديد دقّة الكلفة المطروحة.
- سادساً، بالاعتماد على الكلفة المقدّرة، يتقرّر اجراء استدراج عروض داخل الوزارة، اذا كانت الكلفة اقل من 100 مليون ل.ل، او تُحال على دائرة المناقصات اذا كانت الكلفة أكثر من 100 مليون ل.ل، هذه الطريقة المعتمدة حالياً، وهي تناقض الشفافية. فيجب ان لا يكون هناك تصنيف بحسب حجم المبلغ. ونستكمل النقاط المتبقية، لنستعرض كيف يجب ان تكون المراحلن اذا طُبقت الشفافية المطلقة.
- سابعاً، وضع مسودة دفتر شروط وجعلها علنية ليتمكن من يرغب بوضع ملاحظات عليها.
- ثامناً، عندما يُقرّ دفتر الشروط يكون علنياً وواضحاً، مع الاكلاف والشروط المطلوبة، ويمكن للجميع الاطلاع عليه.
- تاسعاً، تتقدّم الشركات المهتمة، بعد الاطلاع على دفتر الشروط العلني والمُتاح، وتدفع رسم اشتراك لدخول المناقصة، ويتمّ نشر كل عروض الشركات التي دخلت المناقصة.
- أخيراً، تنشر الوزارة من ربح في المناقصة، ولماذا كانت له الافضلية، والعرض الذي تقدّم به مرفقاً بوقت التنفيذ. فيحق للمواطن اللبناني مراقبة حسن تنفيذ شروط العرض.
انّ تنفيذ ذلك لا يحتاج الى مجهود اضافي، المطلوب ان تكون هذه المستندات، الموجودة اصلاً في الادارة، علنية ومتاحة على المواقع الالكترونية، ليطلع عليها المواطن ساعة يشاء.
هكذا تساهم الشفافية في السيطرة على صفقات المشاريع وعلى الهدر والنهب او حتى على القرارات الخاطئة، في ما يتعلق بالتخطيط أو بسوء تنفيذ المشاريع من المتعهد، وما أكثرها.