عند الكثيرين، كان مشهد ما حصل، يوم السبت الماضي، عند مستديرة العدليّة عابراً، لناحية الدعوة إلى تنظيم وقفة ضدّ"السلاح غير الشرعي" والدعوة إلى تطبيق القرار 1559، مقابل أخرى ترفض إستبدال السلاح برغيف الخبز، في مشهد يعيد إلى الأذهان الإنقسام السياسي التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، لكن مع معادلة جديدة تكمن بأن أياً من الوقفتين لم يتمّ تبنيه من أيّ طرف سياسي، لا سيما الأولى التي جاءت تحت عنوان "الثوّار" أو "المجتمع المدني".
العديد من الجهات في الحراك الشعبي لم تكن مؤيّدة لهذه الوقفة، لا بل هي تعتبر أنّها تعبّر عن رأي سياسي لفريق معيّن أو لجزء من المجموعات التي تشارك بالتحركات الإحتجاجيّة تحت عناوين سيّاسية واضحة، وبالتالي هي لا تعبّر عن رأي معظم المجموعات التي لا تزال تفضل التركيز على العناوين المالية والإقتصادية والإجتماعية والدعوات إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، بعيداً عن تلك السياسية التي تقود إلى إنقسام عامودي خطير.
في مقابل ذلك، كان من الواضح أنّ بعض القوى والشخصيات السياسية أرادت أن تستفيد من الوقفة ضد السلاح، لتعبّر عن تأييدها ودعمها، نظراً إلى أنها تصب في خانة رأيها الذي يحمّل "حزب الله" المسؤولية عن الواقع الذي وصلت إليه البلاد، على قاعدة أنه المسؤول عن حماية المنظومة الفاسدة، بينما كانت بعض الجهّات في المجتمع المدني تعتبر أنّها تدعم وجهات نظر الحزب، لناحية الإستهداف والإختراق من قبل بعض الجهّات التي تريد النيل منه عبر بوّابة المطالب المعيشيّة، وبالتالي هي ستكون مؤذية ومضرة بأيّ تحرك مستقبلي، نظراً إلى أن فئات واسعة من المواطنين سيكون لها مسبقاً موقفا سلبيا.
ما تقدّم، يعيد التأكيد على معادلة الإنقسام في التوجهات السياسية بين مجموعات الحراك الشعبي، لكن هذا لا يلغي، بحسب ما ترى أوساط سياسية عبر "النشرة"، إمكانية إرتفاع وتيرة الخطاب المعارض لـ"حزب الله" خلف عباءة المجتمع المدني في المرحلة المقبلة، لا سيّما مع تفاقم الأزمتين الإجتماعية والإقتصادية في ظلّ التوجه الأميركي لفرض المزيد من العقوبات، بالتزامن مع تلميح بإمكانيّة فرض صندوق النقد الدولي لشروط تتعارض مع توجهّات الحزب، كملفّ المعابر غير الشرعيّة والدعوات لنشر قوات طوارئ دولية هناك.
وتشير هذه الأوساط إلى أنّ الحزب يدرك هذا الأمر جيداً، وهو ما دفع أمينه العام السيد حسن نصرالله، في حديثه الإذاعي الأخير، إلى التشديد على أنّ لديه أسلوبه الخاص في محاربة الفساد، وفق قاعدة تجنّب الألغام التي قد تقود إلى الإنقسام أو "الحرب الأهليّة"، لكن هذا لا يلغي أنّ الضغوط ستزداد عليه من هذه البوابة، حيث هو مطالب من بعض الحلفاء بالمزيد من الخطوات الحاسمة، بينما يتّهم من الخصوم بأنه جزءاً أساسياً من الأزمة، وتضيف: "هو سيكون العنوان الأبرز في المرحلة المقبلة، حيث ستطرح عليه الكثير من الأسئلة المرتبطة بالأزمة، المرشحة إلى المزيد من التأزيم".
في السياق نفسه، ترى الأوساط نفسها أن من يدفع إلى وضع الحزب في موقع المسؤوليّة لن يتوقف عند تحرك رمزي من هنا أو هناك، وبالتالي هو سيسعى إلى التركيز على هذا العنوان بشكل أكبر، بهدف الإستفادة منه على المستوى السياسي، خصوصاً إذا ما لمس أنّ هناك تجاوباً شعبياً معه، إنطلاقاً من معادلة الضغوط التي قد تدفع إلى تقديم تنازلات، مع العلم أنّ موقف الحزب من ذلك معروف منذ البداية، وبالتالي لا يمكن توقع تجاوبه معها.
في المحصّلة، لا تتردّد الأوساط السّياسية المطّلعة في الجزم بأنّ ما حصل يوم السبت الماضي لم يكن مشهداً عابراً على ذلك، بل العكس تتوقع تكراره في أكثر من مناسبة في الأيام المقبلة، على قاعدة أنه جزء من المشهد السياسي المطلوب، سواء محلياً أم خارجياً.