أكّد مصدر سياسي في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، أنّ "لا أمل للبنان، على الأقل في المدى المنظور، في إعادة تحريك المقرّرات الّتي صدرت عن "مؤتمر سيدر" لمساعدته في النهوض من أزماته الماليّة والاقتصاديّة، وأنّ تعويمها بات يرتبط كليًّا بالتوصّل إلى صيغة للتعاون بين الحكومة و"صندوق النقد الدولي" لدعم خطة التعافي المالي".
ولفت إلى أنّ "المفاوضات الجارية لا تزال في مرحلة التفاوض التقني، ولم تنتقل حتّى الساعة إلى مرحلة البحث في الإصلاحات الماليّة والإداريّة الّتي يطالب بها الصندوق". وعزا السبب إلى أنّ "الحكومة تأخّرت في إنجاز الورقة الإصلاحيةّ، وأنّ سابقاتها لم تُحسن الإفادة من "مؤتمر سيدر" بسبب ما عانته من تعطيل"، مركّزًا على أنّه "لو أنّ لبنان لم يهدر الفرصة، لكان استفاد من مقرّراته، وأنّ وضعه الاقتصادي مع تفشّي وباء فيروس "كورونا" لن يكون سيئًا على ما هو عليه الآن".
وأشار المصدر إلى أنّ "مرحلة ما قبل تفشّي وباء "كورونا" غير المرحلة الّتي اجتاحت العالم بعد تفشّي هذا الوباء". ورأى أنّ "بعض الدول الّتي كانت شاركت في "مؤتمر سيدر" بدعوة من الحكومة الفرنسية، باتت مضطرة لأن تعيد النظر في التزاماتها"، مشدّدًا على أنّ "عدم الوصول إلى تعاون بين الحكومة و"صندوق النقد" سينعكس سلبًا على احتمال معاودة تعويم مقرّرات "سيدر"، الّتي هي مخصّصة في الأساس لإعادة تأهيل البنى التحتية وتمويل إقامة مشاريع إنتاجيّة".
وانتقد "الطريقة الّتي اتُّبعت لتشكيل الوفد اللبناني للتفاوض مع "صندوق النقد"، ليس بسبب "الاستعانة" بعدد من الخبراء والمستشارين فحسب، وإنّما لعدم اتفاقه على رؤية واحدة ينطلق منها لتزخيم المفاوضات". ونَقَل عن جهات أوروبيّة تواكب انطلاق المفاوضات بين الحكومة و"صندوق النقد"، "عدم ارتياحها إلى التأخّر في إنجاز الإصلاحات الماليّة والإداريّة من جهة، وإلى تعذّر الاتفاق بين أعضاء الوفد اللبناني على مقاربة موحّدة تتعلّق بالأرقام الماليّة".
كما ذكر أنّ "الجهات إيّاها لا ترى من مبرّر للعدد الفضفاض للمستشارين في الوفد اللبناني، ولا تفهم أنّ لكلّ رئيس مستشارًا أو أكثر خاصًّا به، وإلا لماذا يتمثّل رئيس الجمهورية ميشال عون في المفاوضات كأنّ الحكومة ليست مخوّلة للنطق باسمه مع أنّها حكومته؟". وأفاد بأنّ "الجهات الدوليّة استغربت تأخُّر حكومة حسان دياب في إعداد الورقة الإنقاذيّة، وقالت إنّ ما تقدّمت به حتّى الآن ليس كافيًا، لأنّه جاء كناية عن تبنّي مجموعة من البنود من الورقة الإصلاحيّة الّتي أَعدّتها الحكومة السابقة، لكنّها لم تكن متناسقة وبدت كأنّها من كلّ وادٍ عصا".
وسألت الجهات نفسها، بسحب المصدر: "ما الجدوى من إلحاق بناء معمل لتوليد الكهرباء في سلعاتا بخطّة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء؟"، كاشفةً أنّ "مفوّض الحكومة الفرنسية بيار دوكان، المكلّف بمتابعة تنفيذ مقرّرات "مؤتمر سيدر" لدى الحكومة اللبنانية، كان أعلم من يعنيهم الأمر أنّ لا حاجة لهذا المعمل لافتقاده إلى الجدوى الاقتصاديّة منه، وشدّد منذ كانون الأول الماضي على ضرورة الإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع وتعيين مجلس إدارة جديد لـ"مؤسسة كهرباء لبنان".
وبيّن المصدر، نقلًا عن الجهات الأوروبيّة، أنّ "إعادة الاعتبار لمعمل سلعاتا لن تكون له من مفاعيل تنفيذيّة، لأنّ لبنان ليس في حاجة إلى بناء معمل ثالث إلى جانب معملَي دير عمار والزهراني، وبالتالي يصعب على الحكومة تمويل بنائه من خلال شركات دوليّة تُعنى ببناء المعامل". ولفت إلى أنّ "ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء لجهة إعادة تعويم سلعاتا بخلاف قرار مجلس الوزراء في جلسة سابقة، أساء إلى الحكم والحكومة، لأنّه قدّم الأخيرة للرأي العام بأنّها ليست مخوّلة لاتخاذ القرار، في إشارة إلى استجابتها للضغوط الّتي مورست عليها من رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وإنما بشخص رئيس الجمهورية".
إلى ذلك، أكّد أنّ "تجاوب دياب والوزراء ممّن كانوا قرّروا ترحيل بناء سلعاتا إلى المرحلة الثانية في حال أنّ هناك حاجة له، مع ضغوط باسيل وبضوء أخضر من الرئيس عون، أَفقد الحكومة ما تبقى لها من مصداقية لدى الرأي العام، وأظهر الوزراء بأن قرارهم ليس بيدهم وإنما في مكان آخر. ناهيك بأنّ الجلسة سجّلت لباسيل أنّه وحده من يقرّر بالنيابة عن مجلس الوزراء، وبالتالي ليس صحيحاً أن الحكومة هي حكومة تكنوقراط تتشكّل من مستقلين".
وركّز على أنّ "حكومة دياب هي بأمسّ الحاجة إلى تعويم، وتحديدًا من قِبل عون، الّذي أسقطها بالضربة القاضية لمصلحة تعويم باسيل رئاسيًّا، مع أنّه يدرك أنّ أوراقه قد احترقت، وكان من الأفضل البحث عن مرشح آخر لرئاسة الجمهورية"، مشيرًا إلى أنّ "لذلك، فإنّ حكومة دياب باتت محكومة بقراراتها لمصلحة باسيل، لأنّ عون تخلّى عنها، فتحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال لم تتمكّن حتّى الساعة من اتخاذ قرارات ذات وزن سياسي، وهذا ما يدفع فريقًا في الموالاة قبل المعارضة إلى الترحُّم على الحكومات السابقة، خصوصًا أنّه كان في وسع دياب أن يحشر عون بدلًا من أن يحشره الأخير ويحرجه من دون أن يتجرّأ على مواجهته".