يحقُّ لمُشاهد مُؤتمر النَّائب هادي حبيش الصِّحافيّ السَّبت الماضي، والمُتتبِّع لـ"بُطولاته الدُّونكيشوطيَّة" أَمام مكتب القاضية غادة عون، أَنْ يطرح الأَسئلة الآتية والمشروعة:
1–هل القضيَّة الَّتي يقول حبيش إِنَّها شخصيَّة مع القاضية عون، تتعلَّق بـ"القدح والذَّم"، أَم تتعدَّاها إِلى حجز مُرافقي سعادة النَّائب القاضية عون في مكتبها في "عُقر" المحكمة؟.
2-هل إِضاءة حبيش في مؤتمره الصِّحافيِّ على مُخالفاتٍ وتجاوزاتٍ أُخرى، لا علاقة لها بقضيَّته، كالمال العام وإِهداره، وقضايا الفساد ومُتشعِّباته... هو إِقرارٌ ضمنيٌّ منه، بذنبٍ اقترفه، ولكن على طريقة أَنَّه "حطَّ رأْسه بين الرُّؤوس" الفاسدة، وحين وصل الأَمر إِلى "قَطَّاع الرُّوس" (بالمعنى المجازيِّ أَيضًا) حاول حجب الأَنظار إِلى مُخالفاتٍ أُخرى؟.
3–ألا يُعتبر مزج حبيش في مؤتمره الصِّحافيِّ، بين شؤون القضاء وشؤون السِّياسة، إِقحامًا منه لقضيَّته العالقة أَمام القضاء، في "سوق البازار السِّياسيِّ" الرَّخيص، علمًا أَنَّ "أَلف باء" القضايا العالقة في القضاء، يقضي بالنَّظر في الدَّعاوى، كلٍّ منها على حدةٍ؟. وبكلامٍ آخر، فإِنْ كانت قضيَّة النَّائب حبيش محصورةً بالـ"قدح والذَّمِّ"، أَو بـ"التَّهديد الجسديِّ" للقاضية عون، أَو بأَيِّ تهمةٍ أُخرى قد تندرج في متنها... يبقى النَّظر بهذه القضيَّة محصورًا بزاويةٍ خاصَّةٍ، ولا يجوز بالتَّالي ربط السَّموات بالأَبوات.
ولحبيش المُحامي، أُسلوبه الخاصّ في المُرافعات عبر المُؤْتمرات الصِّحافيَّة، وما أَشبه مؤتمر السَّبت الفائِت، بمؤتمره الأَحد 15 كانون الأَوَّل 2019، في شأْن قضيَّته العالقة مع النَّائب العامِّ الاستئنافيِّ في جبل لبنان القاضية غادة عون!. غير أَنَّ اللُّبنانيِّين لم ينسَوا هَوْل ما جرى أَمام منزل القاضية عون، بغضِّ النَّظر عن الطَّريقة الَّتي تتعامل فيها مع ملفِّ رئيسة هيئة إِدارة السَّير هدى سلُّوم. بيد أَنَّ تعاطي عون "في شكلٍ ميليشياويٍّ مع المُحامين والقُضاة والمُواطنين" –على ذمَّة حبيش– قد يُقابله تهجُّم الأَخير على القاضية في مكتبها، وهو بدوره عملٌ ميليشياويٌّ، إِذ لا يحقُّ لمُحامٍ أَنْ يقتحم مكتب قاضٍ، ليأْمُرها بـ"الذَّهاب إِلى التَّفتيش القضائيِّ"!.
كما وأَنَّ اللُّبنانيِّين لن ينسَوا أَبدًا، جريمة اغتيال القُضاة الأَربعة، تحت قوس العدالة في محكمة صيدا... وفي استذكار الحدث الأَليم في عاصمة الجنوب، عبرةٌ تُسطِّر ثلاثة خطوطٍ حمراء تحت هيبة القضاء، الَّتي ينبغي أَنْ تبقى في كُلِّ الأَحوال والحالات مُصانة، بقوَّة القانون وميزان العدالة، وكذلك بالوعي الشَّعبيِّ لما قد تُفضي إِليه "جرائم" تحقير القضاء وقُضاته...
وفي سياق حرص النَّائب حبيش في مؤتمرَيه الاثنَين حتَّى الآن في قضيَّته مع القاضية عون، على المال العام... يُؤْخذ عليه أَنَّ في أَرشيفه ملفاتٍ كثيرةً قد يكون هو منها براء، وأَشرف من "امرأة القيصر" رُبَّما، ولكنَّ تلك الملفَّات "حديث النَّاس"، أُسوةً بما يأْتي حبيش على ذكره في مؤتمرَيه... وبالتَّالي فما يحكيه عن ملفَّاتٍ، تُقابله ملفَّاتٌ أُخرى في حقِّ حبيش هذه المرَّة، ولذا فقد كان الأَفضل له في "مُرافعتَيه الصِّحافيَّتَين" الاثنتين، أَن يُركِّز أَكثر على موضوعه مع عون، مع الإِقرار بأَنَّ كُلَّ ما يُحكى عن مُخالفات ينبغي خضوعها للقضاء، من دون تسييسٍ، على أَنْ يُنظر في كلِّ قضيَّةٍ، في منأى عن مئات قضايا الفساد الَّتي ينبغي أَنْ تخضع كلَّها لمجهر المحاكم المُختصَّة!.
وممَّا يُثار في شأن حبيش: قطع 4500 شجرة لشقِّ طريقٍ فرعيَّةٍ إِلى قصره في القبيَّات، على نفقة الدَّولة، وبكلفةٍ تصل إِلى نحو مليون دولار، مرورًا بـ"التَّوسُّط" لدى وزير الدَّاخليَّة السَّابق نُهاد المشنوق، للتَّرخيص لمقالع وكسَّارات، وصولاً إِلى المُشاركة في صفقات الميكانيك والـparkmeter ولوحات السَّيَّارات والتَّرخيص لسماسرة في النَّافعة...
غير أَنَّ التقدُّم الملموس في المؤتمر الصِّحافيّ الثَّاني لحبيش، أَنَّه -وخلافًا للمرَّة السَّابقة- لم يُضمِّن مؤتمره هذه المرّة شعاراتٍ في "المِثاليَّة" توحي بأَنَّنا في لقاءٍ انتخابيٍّ، كما ولم يستحضر جُمهوره للتَّصفيق، بعد إشارة "مُدير المَسرح"!. ولكنَّ النَّائب حبيش، وفي مؤتمريه الاثنين، قد تجاهل إِبلاغه من رئيس مجلس النُّوَّاب نبيه برِّي، أَنَّ "بتصرُّفه في محكمة بعبدا قد ورَّط المجلس النِّيابيَّ وورَّط نفسه"...
وفي المُقابل فإنَّ حجَّة القاضية عون تبدو –من خلال المواقف الَّتي أَطلقتها خلال الأَشهر الأَخيرة– أَكثر إِقناعًا، هي الَّتي كانت أَكَّدت وجوب "البدء بملاحقاتٍ قضائيَّةٍ جديَّة في لبنان"، واعتبرت "أَنَّ على القضاء أَنْ يقوم بعمله عندما يمتلك ملفَّاتٍ ومُستنداتٍ. وهي إِلى ذلك ترى أَنْ "كيف يمكننا استعادة المال المنهوب إِذا لم نبدأ بالمُلاحقات القضائيَّة"؟...
وبالعودة إِلى الأَسئلة ذات الصِّلة: هل المَطلوب اليوم من القضاء أَنْ يُستثنى أَهل السَّاسة والعاملون في الشَّأن العامِّ مِن المُساءَلة في ملفَّات الفساد؟، أَم المطلوب منه بناء خيمةٍ تقي الفاسدين والمُفسدين والعابثين في الأَرض فسادًا؟، هل المطلوب قضاءٌ يُوجَّه سياسيًّا بحسب مصالح السَّاسة؟، أَلا يحقُّ لقاضٍ أَنْ يقول لنائبٍ في الأُمَّة عندنا: "يا محلا الكِحل في عينك"؟.
إِنَّ خير نصيحةٍ قد تُسدى لنا جميعًا اليوم: "إِذا بُليتُم بالمعاصي فاستتروا".