وجه السفير السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري رسالة إلى كلٍ من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، متهما الولايات المتحدة والدول الأوروبية بإرتكاب جرائم حرب في سوريا.
وفيما يلي نص الشكوى: "بناءً على تعليماتٍ من حكومة بلادي الجمهورية العربية السورية، وبعد توجيهها ما ينوف على الألف رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة منذ بدء العدوان الإرهابي على سوريا في العام 2011، أنقل إلى معاليكم وإلى الدول الأعضاء، المعلومات الموثقة والفورية التالية، طالباً من معاليكم اعتبار هذه الرسالة شكوى رسمية بحق بعض حكومات الدول الأعضاء، وفي مقدمتها الحكومات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية والإسرائيلية، التي انتقلت منذ فترة من مرحلة الحرب بالوكالة، القائمة على دعم وتمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية متعددة الجنسيات العابرة للحدود وعلى اختلاف تسمياتها، والكيانات الإرهابية المسلحة والميليشيات الانفصالية، إلى الحرب المباشرة بالأصالة، وذلك عبر ممارسة العدوان والاحتلال العسكريين المباشرين، وسرقة ونهب وتخريب الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة السورية، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب، والتدخل الخطير والهدام في مسار العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة عبر المبعوث الخاص للأمين العام. واسمحوا لي أن أعرض عليكم فيما يلي بعض الحقائق والتفاصيل الهامة في هذا المجال.
أولاً- منذ منتصف شهر أيار الجاري، ومع حلول موسم حصاد القمح والشعير، دأبت قوات الاحتلال الأمريكي والتركي على إحراق المحاصيل الزراعية في منطقة الجزيرة السورية، بهدف إفراغ السلة الغذائية السورية من خيراتها، وهي جريمةٌ تمثل إرهاباً اقتصادياً جديداً وترقى إلى مستوى جرائم الحرب ترتكبها تلك القوات المحتلة بحق الشعب السوري، وتنخرط فيها التنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية التابعة لقوات الاحتلال هذه، التي لا تزال تستمر بقصف المدن والمناطق وتدمير البنى التحتية وتهجير المواطنين من منازلهم، بالتوازي مع ممارسات القتل والنهب والخطف والسطو المسلح ضد الأهالي وممتلكاتهم، وصولاً إلى الجرائم الحالية المتمثلة بحرق عشرات آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير، وتدمير ونهب محطات الطاقة الكهربائية، والاستمرار في نهب الثروات الطبيعية، بما فيها النفط والغاز السوريين
إن جريمة إحراق قوات الاحتلال للمحاصيل الزراعية لا تؤثر فقط في الاقتصاد السوري، بل إنها تهدف بشكلٍ مباشر إلى ابتزاز المزارعين السوريين وإرهابهم وإفقارهم وتهجيرهم، وإجبارهم على بيع محاصيلهم للتنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية وتهريبها إلى داخل الأراضي التركية. وتؤكد المعلومات المتوفرة لدى الحكومة السورية وحلفائها في الحرب على الإرهاب، أن جريمة إحراق محصول القمح في سوريا هي جزءٌ لا يتجزأ من الإرهاب الاقتصادي الأمريكي والغربي المستمر ضد سوريا، والذي يهدف إلى منع المواطنين السوريين من الاستفادة من المساحات الزراعية الشاسعة التي تمت استعادتها من التنظيمات الإرهابية المسلحة وجرى استصلاحها وزراعتها بمحاصيل القمح والشعير. وتؤكد هذه المعلومات أن هناك قراراً أمريكياً معد مسبقاً بحرق الأراضي الزراعية في مناطق مختلفة في سوريا، ومن بينها أراضٍ تقع تحت سيطرة الدولة السورية ولكن لا تزال تتواجد فيها خلايا إرهابية نائمة تتعامل مع إسرائيل ومع القاعدة العسكرية الأمريكية غير الشرعية في "التنف"، وتتلقى منها التعليمات والدعم اللوجستي
ومع اقتراب محصولي القمح والشعير من مرحلة الحصاد في سوريا، تعمَّدت طائرات "أباتشي" التابعة لقوات الاحتلال الأمريكي مؤخراً، رمي البالونات الحرارية أثناء طيرانها على مسافة منخفضة فوق الحقول الزراعية، ما تسبب باندلاع عدد من الحرائق في حقول القمح والشعير في عدد من القرى التابعة لمدينة "الشدادي" جنوب مدينة الحسكة، فيما أقدمت مجموعات من مرتزقة الاحتلال التركي على إشعال النيران في عدد من حقول القمح والشعير بعدد من قرى بلدتي تل تمر وأبو راسين بريف الحسكة، حيث أتت النيران على نحو عشرين ألف دونم من هذه الحقول، عدا عن إقدام هؤلاء المرتزقة على استهداف الحقول بقذائف الهاون، كما فعلوا في قرى "أم الكيف" و"الدردارة" و"الطويلة" بريف "تل تمر"، وفي قرى "المناجير" و"الأهراس" و"العامرية" و"تل عطاش" و"عرات أبو بكر" التابعة لمنطقة رأس العين، ما أدى إلى إحراق آلاف الدونمات أيضاً
وفي موازاة افتعال الحرائق تلك، تعمُدُ قوات الاحتلال التركي ومرتزقته إلى سرقة المحاصيل الزراعية، عبر الضغط على الأهالي، لبيعها بأرخص الأثمان وتهريبها إلى الأراضي التركية، حيث أدخلت التنظيمات الإرهابية التابعة لنظام رجب طيب أردوغان بتاريخ 26 أيار 2020، عدداً من الحصَّادات إلى منطقة "رأس العين" المحتلة بريف الحسكة الشمالي، وقامت بسرقة محاصيل الفلاحين الزراعية وتهريبها إلى الأراضي التركية، كما استولت على جزء من الإنتاج بعد تهديد الفلاحين بإحراق حقول القمح والشعير في حال لم يمتثلوا للضغوط المفروضة عليهم وذلك في إطار سياسة ممنهجة للحيلولة دون شحن هذه المحاصيل الزراعية إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية. وأشير في هذا الصدد، إلى إعلان حكومة النظام التركي مؤخراً عن بدء تشغيل أول توربين في سد "إليسو" على نهر دجلة وملء البحيرة الاصطناعية التابعة له، وهو الإجراء الخطير الذي سيُضعِف من مستوى المياه التي تصل إلى السوريين والعراقيين من نهر دجلة
ثانياً- على الرغم من المطالبات الأممية والدولية، بما فيها دعوات الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى سوريا، من أجل رفع التدابير الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري، لمواجهة تداعيات جائحة COVID-19 العالمية، فقد أقدمت الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي منذ أيام قليلة، على إصدار قرارين تنفيذيين بتجديد وتشديد مفاعيل الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري، وذلك بالتوازي مع دخول ما يسمى "قانون قيصر" الأمريكي حيز التنفيذ، بما يشمله من إجراءات اقتصادية عقابية جديدة ضد السوريين وضد كل "طرف ثالث" يسعى إلى المشاركة في نشاطات اقتصادية وتجارية استثمارية وخدمية لخير المواطنين السوريين داخل سوريا.
غنيٌ عن القول هنا إن استهداف الشعب السوري بالحصار الذي يرقى إلى مستوى الإرهاب الاقتصادي ليس بالممارسة الجديدة، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة دأبت منذ العام 1979 وحتى اليوم، على فرض تدابير قسرية على الاقتصاد السوري وقطاعاته الحيوية والخدمية، بما فيها قطاعات الصحة والكهرباء والمياه والزراعة والصناعة والطيران والنفط والاتصالات والتكنولوجيا والاستيراد والتصدير والمصارف والشركات العامة والخاصة. وكانت الإدارات الأمريكية تتذرع في فرض هذه الإجراءات غير الشرعية بذرائع وهمية تتعلق بمكافحة الإرهاب، في حين أنها كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من السياسة الإرهابية الأمريكية التقليدية والعمياء القائمة على الضغط على الحكومات التي تختلف معها سياسياً، وعلى دعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية والفلسطينية واللبنانية المحتلة.
أما في العقد الأخير، فقد تلاقت المصالح الأمريكية والأوروبية على فرض العقوبات الاقتصادية القسرية على الشعب السوري، في سبيل دعم سياسة هدامة وخطيرة يتبعها الطرفان، وهي كانت ولا تزال قائمة على دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة والميليشيات الانفصالية في سوريا، وممارسة الابتزاز والإرهاب الاقتصادي لاستهداف سوريا وحلفائها، من أجل نشر الفوضى وعدم الاستقرار، حتى لو بلغ الأمر تهديد الأمن والاستقرار في تلك المنطقة والعالم.
إن ما يهم الجمهورية العربية السورية اليوم هو أن تجد من الأمم المتحدة، ممثلةً بأمينها العام ومبعوثه الخاص والمؤتمنين على صون السلم والأمن الدوليين في مجلس الأمن، موقفاً واضحاً تكون له ترجمة عملية على الأرض، في سبيل وضع حدٍ للتدخلات الأمريكية والغربية العدوانية في مسار العمليتين السياسية والإنسانية في سوريا، واتخاذ إجراءاتٍ عملية تكفل وضع حدٍ لتأثير هذه السياسات والإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري. ومن المهم التذكير في هذا المجال أن أي موقف شجاع ومباشر من الأمم المتحدة في هذا المجال سيكون مستنداً إلى أحكام الميثاق، ومبادئ القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالوضع في سوريا، والتي تكفل جميعها حق الشعب السوري بأن يقود عملية سياسية سوريا دون تدخلٍ خارجي، وفي منأى عن الضغوط السياسية والاقتصادية والإرهابية التي لا تزال تقودها وتمارسها حكومات دول دائمة العضوية في مجلس الأمن من المفترض فيها الاضطلاع بمسؤولية صون السلم والأمن الدوليين.
ثالثاً- أود أن أشير في هذا السياق، إلى أن الوفد الدائم للجمهورية العربية السورية قد وجَّه خلال الشهرين الماضيين العديد من الرسائل الرسمية إلى كل من رئيس الجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، والتي صدر بعضها كوثائق رسمية، ومن بينها الوثائق (A/74/775–S/2020/259)، (A/74/802–S/2020/297)، (A/74/844–S/2020/368)، (S/2020/419). وقد عرضت هذه الرسائل بشكلٍ مفصل وبالأرقام والمعلومات الموثقة، لمختلف الآثار السلبية العميقة لهذه الإجراءات القسرية أحادية الجانب على حياة الشعب السوري، ولا سيما في ظل الوضع العالمي المتأزم صحياً واقتصادياً واجتماعياً بسبب جائحة COVID-19 العالمية. كما تضمنت آخر الرسائل معلوماتٍ موثقة عن عمليات تخريب ونهب وتهريب محطات الطاقة الكهربائية السورية، التي تبلغ قيمة إحداها وهي محطة زيزون الحرارية (660) مليون دولار أمريكي، وذلك من قبل جماعاتٍ إرهابيةٍ مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة وتتلقى الدعم والتمويل والتسليح من الجانب الرسمي التركي، إلى جانب تسهيلات التنقل عبر الحدود السورية – التركية التي توفرها قوات الجيش والأمن التركية لعناصر هذه الجماعات الإرهابية. كما تضمنت هذه الرسائل تفنيداً للمزاعم الأمريكية والأوروبية الوقحة والكاذبة حول عدم وجود تأثير لهذه العقوبات على المواطنين السوريين، وحول وجود استثناءات ورخص من هذه العقوبات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب فيما يتعلق باستيراد المواد الغذائية والطبية إلى سوريا. ويكفي أن نذكر معاليكم والدول الأعضاء، بأن من يمنع منظومة الأمم المتحدة الإنمائية عن إطلاق مشاريع إعادة التنمية والتعافي في سوريا، هي حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وذلك بالتوازي مع فرضهم مع آخرين للحصار الاقتصادي الخانق على الشعب السوري. وهو الأمر الذي يفضح نفاق خطابهم السياسي داخل مجلس الأمن وخارجه.
تطلب حكومة الجمهورية العربية السورية من معالي الأمين العام للأمم المتحدة رسمياً، أن يكلف الجهات القانونية المختصة في الأمانة العامة، بإعداد تقريرٍ عاجل حول مدى انسجام القوانين والقرارات التنفيذية الصادرة عن الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض الحصار الاقتصادي على الشعب السوري، مع أحكام الميثاق وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وآثارها السلبية العميقة على حياة الشعب السوري، آخذين بعين الاعتبار المواقف النزيهة والمتوازنة التي صدرت مؤخراً عن معالي الأمين العام وعن ممثلي أكثر من أربعين منظمة أممية وهيئة دولية، والتي تضمنت مطالبات واضحة برفع الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري وعلى شعوب عددٍ من دول العالم.
إن الدولة السورية على ثقةٍ تامة بأن أي تقييمٍ أممي نزيه وشفاف سيُقرُّ صراحةً بالآثار السلبية العميقة لهذه العقوبات على الشعب السوري، كما سيُقرُّ بعدم شرعية أو قانونية قيام هذه الحكومات بمنح سلطاتها الوطنية التشريعية أو القضائية "ولاية عالمية افتراضية ووهمية" لإصدار قوانين عقابية تتجاوز النطاق الإقليمي الأمريكي أو الأوروبي، وتطال أطرافاً خارجية هي الدول المستهدفة بالعقوبات، وكذلك "الأطراف الثالثة" التي تتعاقد مع الدول المستهدفة أو تقيم معها علاقات اقتصادية وتجارية، وذلك بغرض ترهيبها بعقوباتٍ مالية ومصرفية وتجارية، فيما إذا تعاملت مع أي جهاتٍ عامة أو خاصة في الجمهورية العربية السورية.
ختاماً، تؤكد حكومة الجمهورية العربية السورية أن هذه الممارسات والجرائم المرتكبة من قبل حكومات هذه الدول، ترقى بمجملها إلى مستوى جرائم الحرب، وتشكل خرقاً لأحكام ومقاصد الميثاق ومبادئ القانون الدولي، واعتداءً مباشراً على سيادة وسلامة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، وهو الأمر الذي يفرض على الأمين العام للأمم المتحدة بحكم موقعه وولايته وبحكم دوره في تيسير العملية السياسية في الجمهورية العربية السورية، اتخاذ إجراءاتٍ ومواقف واضحة لا لبس فيها، لضمان احترام كافة الدول داخل مجلس الأمن وخارجه لالتزاماتها بموجب الميثاق والقانون الدولي وقرارات المجلس ذات الصلة، والامتناع عن أية ممارسات تهدف إلى عرقلة استقلالية ومسار العملية السياسية، من خلال فرض شروطٍ تتجاوز صلاحيات تلك الدول بموجب القانون الدولي، وتهدف إلى تغيير وتشويه الهوية السورية الوطنية والقومية، والمساس بطبيعة علاقات سوريا مع جيرانها والأطراف الإقليمية والدولية، على حساب مصالحها وحقوقها السيادية وتطلعات شعبها في الأمن والاستقرار والازدهار، وعلى حساب الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وذلك في سبيل إعادة رسم خريطة المنطقة بشكلٍ يعيد التذكير بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها عصبة الأمم بالتعاون مع القوى الاستعمارية منذ قرن، فأودت بها.
أرجو من معاليكم اعتبار هذه الرسالة وما ورد فيها من معلومات، شكوى رسمية تتطلب من مجلس الأمن والأمين العام، وفقاً للولايات المناطة بهما، التحقيق فيها واتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة بحق مرتكبيها. كما أكون ممتناً في حال إصدار هذه الرسالة كوثيقة من وثائق مجلس الأمن".