يبدو أن قانون "قيصر" الأميركي، الذي يفرض عقوبات على أي دولة أو شخصية تتعامل مع الحكومة السورية، سيكون لاعباً اساسياً على الساحة اللبنانية أكثر من الساحة السورية، في ظلّ الإنقسام السياسي القائم في البلاد منذ سنوات، بالإضافة إلى الأزمتين المالية والإقتصادية، اللتان فرضتا على الحكومة اللبنانية فتح باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع ما يعنيه ذلك من شروط سياسية بدأ التلويح بها في الأيام الماضية.
في خطاباته مؤخّرًا، طالب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله الحكومة بإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع دمشق، على قاعدة وجود الكثير من الملفات التي تحتاج إلى تنسيق مباشر بين الدولتين، مع العلم أن هذه الدعوة جاءت على وقع فتح بعض الأفرقاء السياسيين ملف المعابر غير الشرعيّة بين البلدين وعمليات التهريب القائمة على ضفّتي الحدود، إلا أن هذه الدعوة لم تلقَ حماساً لدى الجانب الحكومي، لا سيما من قبل رئيس الحكومة حسان دياب، الذي يتوجّس من إحتمال أن تكون دمشق الوجهة الخارجيّة الأولى له، وهو ما أعاد التلميح إليه السيّد نصرالله، عبر القول أنّها تحتاج إلى بعض التشجيع للقيام بمثل هذه الخطوة.
من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، دخول "قيصر" حيّز التنفيذ، أول من أمس، من المفترض أن "يفرمل" أيّ دعوة إلى التنسيق مع الجانب السوري، نظراً للتداعيات الخطيرة التي قد تترتب على ذلك، لا سيما أن المسؤوليين الأميركيين وجّهوا أكثر من رسالة تهديديّة للجانب اللبناني في هذا المجال، عبر التلويح بفرض عقوبات على شخصيّات وقوى سياسية محليّة، وتشير إلى أن واشنطن تبدو جادة لمنع أيّ محاولة إلتفاف من الممكن أن تقوم بها أيّ جهة، سواء لبنانية أو غير لبنانية.
وترى هذه المصادر، عبر "النشرة"، أنّه في ظلّ الوضع اللبناني المعروف، من الممكن القول أن هذا القانون هو بمثابة "قنبلة موقوتة" على طاولة مجلس الوزراء، حيث بدأ البحث في كيفيّة التعامل معه على المستوى الرسمي، وتلفت إلى أن لبنان لا يمكن أن يتجاهل وجوده بأي شكل من الأشكال، لكن في المقابل هناك الكثير من "الألغام" التي عليه البحث في كيفيّة تجنّب "الدوس" على أحدها، الأمر الذي سيكون محلّ أخذ وردّ في الأيام المقبلة، داخل الحكومة وخارجها، بالتزامن مع فتح العديد من الملفّات الأخرى التي على صلة بالعلاقة مع الجانب السوري أو سلاح "حزب الله".
بالنسبة إلى المصادر نفسها، التداعيات، خصوصاً على المستوى السياسية، المترتبة على "قيصر" ستكون في لبنان أكبر من تلك التي في سوريا، بسبب الإنقسام بين الأفرقاء المحليين، حيث من المفترض أن ترتفع الأصوات المنادية إلى الإلتزام به، بعيداً عن محاولة قوى أخرى الدعوة إلى عدم المشاركة في حصار دمشق، وتشير إلى أنّ هذا القانون هو جزء من المعركة التي تُخاض ضد سوريا، لكن لبنان لن يكون قادراً على القيام بأيّ أمر عملي.
لدى قوى الثامن من آذار رؤية مختلفة لهذا الواقع الجديد، حيث التأكيد الدائم على أهميّة التنسيق مع الجانب السوري، على المستويين الإقتصادي والسياسي، الأمر الذي يساهم في معالجة الملفّات العالقة منذ سنوات، وترى مصادر من هذه القوى، عبر "النشرة"، أن لبنان غير قادر على علاج أي من أزماته دون التواصل مع البوابة الوحيدة إلى الدول العربية، وهو ما كانت تعاني منه الكثير من القطاعات الإقتصاديّة على مدى السنوات الماضية.
من وجهة نظر هذه المصادر، القانون الأميركي الجديد ليس من المفترض أن يعني الحكومة اللبنانيّة، التي لا يمكن أن تكون شريكاً في الحرب على سوريا بعد أن كانت الحكومات السابقة تتبنّى سياسة "النأي بالنفس"، خصوصاً أن هذه العقوبات ليست أماميّة بل مفروضة من دولة لا تزال تعتبر نفسها تحكم العالم، رغم المتغيّرات الكبيرة التي تشهدها الساحتين الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة على المستوى الداخلي.
على الرغم من ذلك، لا تنكر المصادر نفسها خطورة الواقع الذي يفرضه "قيصر" على الساحة المحليّة، لكنها ترى أنّه من المبكر الحديث عن كيفية التعامل معه بانتظار الموقف الذي سيصدر عن الحكومة اللبنانيّة بشكل رسمي، نظراً إلى أن الموضوع لا يزال قيد الدرس على أكثر من صعيد، إلا أنّها تجزم بأنّ الإلتزام به كاملاً لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام.
في المحصّلة، الساحة اللبنانيّة ستكون "حبلى" بالتطورات السياسية والإقتصادية في المرحلة المقبلة، و"قيصر" سيكون الحاضر الأبرز في ظلّ التداعيات المترتبة عليه، في ظل التهديدات الأميركية التي لا تستثني أيّ فريق.