في ظل انشغال العالم بما يجري في الولايات المتحدة الأميركية من اضطرابات، إلى جانب الاستنفار العالمي في مواجهة وباء «كورونا»، برز إلى واجهة الأحداث في المنطقة قانون «قيصر» الذي يستهدف النظام في سوريا والذي سينفذ على أربع مراحل، عبر فرض عقوبات قاسية على مكونات هذا النظام وعلى داعميه.
لا شك ان لبنان بموقعه الجيوسياسي سيكون الأكثر تأثراً من هذا القانون الذي تضغط الإدارة الأميركية لتنفيذه، حيث ان هناك من يربط بين هذا القانون والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي في الشق المتعلق بالمعابر على الحدود مع سوريا والتي ترى فيها واشنطن انها بمثابة الرئة التي يتنفس من خلالها «حزب الله» على شتى الصعد.
وعندما تسأل مصادر متابعة عما إذا كان بإمكان الحكومة اللبنانية المناورة أو التحايل على هذا القانون لجهة آلية التنفيذ، تسارع إلى التأكيد بأن الدولة اللبنانية ملزمة بتنفيذ هذا القرار الدولي ولا يمكن لها تجاهله أو التكابر سياسياً في مسألة التعاطي معه، ذلك ان الحكومة اللبنانية مغلوب على امرها وهي لا تستطيع على الإطلاق الوقوف في وجه هذا المشروع ومضطرة ان تتعاطى معه كأي دولة عربية أو غربية، لأن لا طاقة لها على مواجهة المجتمع الدولي أو الاعتراض، لأن ذلك سيضعها في موقع لا تحسد عليه حيث ستلجأ الولايات المتحدة الأميركية إلى فرض عقوبات على لبنان، وقد سبق ان تعامل لبنان مع قرار فرض عقوبات على «حزب الله» من موقع الخائف على توسيع بيكار هذه العقوبات، فالمصرف المركزي نفذ العقوبات على «حزب الله» أكثر من الأميركيين أنفسهم.
الانشطار السياسي سيدخل الساحة اللبنانية في أتون التجاذبات حول طريقة التعامل مع القانون الأميركي
وفي رأي المصادر ان الحكمة تقتضي ان تعرف الحكومة اللبنانية كيفية التعاطي مع قانون «قيصر» وان تطوعه بما لا يتعارض مع مصلحتها، وبما لا يذهب إلى أية إشكالية مع سوريا، خصوصاً وأن هناك الكثير من القضايا التي تربط البلدين وتجعل كل بلد بحاجة إلى الآخر.
وتقول المصادر انه يفترض بالولايات المتحدة الأميركية ان تتفهم موقف وموقع لبنان حيال أي قرار مهما كان حجمه ونوعه ضد دمشق، فكما سمح للعراقيين إبقاء قنوات التواصل قائمة مع إيران رغم العقوبات الأميركية عليها، فإن واشنطن ربما تترك الباب مفتوحاً وإن بشكل محدود، وتبقي على الحدود مفتوحة وإبقاء حالة الاستيراد والتصدير قائمة بين الدولتين.
وحول إمكانية ان يترك أي قرار تتخذه الحكومة الأميركية تداعياته السلبية على الواقع اللبناني، سيما وأن هناك انشطاراً سياسياً تجاه الموقف من سوريا، تقول المصادر ان ما من شك ان طريقة التعاطي اللبناني مع القرار الأميركي ستحدث ارباكاً واضحاً، واحراجاً على الواقع اللبناني غير السليم، فعلى سبيل المثال فإن «حزب الله» وحركة «أمل» ومن يدور في فلكهما سيرفضون التجاوب مع هذا القرار. وفي المقابل فإن هناك جهات سياسية ستدعو إلى التجاوب معه من منطلق ضرورة عدم مواجهة المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة ثانية من كون ان لا قدرة للبنان في ظل وضعه الاقتصادي والمالي المنهار، وفي ظل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي ان يتحمل أي عقوبات أميركية، وهذا الانشطار في المواقف تجاه القرار الأميركي سيدخل الساحة السياسية في أتون التجاذب والاحتقان، وبالتالي سيفرمل الحراك اللبناني تجاه الخارج طلباً للمساعدة للنهوض من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة.
وتعرب المصادر عن اعتقادها ان واشنطن تحاول استغلال الوضع اللبناني الهش سياسياً واقتصادياً، وكذلك عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي لكي تحمل الحكومة على القبول بالتجاوب مع القرار الأميركي، بمعنى آخر ان الولايات المتحدة تحاول إمساك لبنان من اليد التي تؤلمه لتحقيق أكثر من هدف أبرزها توتير العلاقات اللبنانية السورية، وكذلك خربطة الساحة الداخلية في لبنان، وتأليب المجتمع اللبناني على «حزب الله» وتحميله تبعات أي عقوبات تفرض على لبنان في حال تجاهلت الحكومة اللبنانية القرار الأميركي المتعلق بسوريا.
وترسم المصادر صورة غير مريحة حول ما يحمله قابل الأيام بهذا الخصوص، فالقرار الأميركي بالنسبة للبنان موجع ومربك ومحرج ولن يكون في استطاعة الحكومة التفلت منه.
وتعبر المصادر ان مشكلة لبنان اليوم هي في العقلية السياسية والاقتصادية والنفعية والانتهازية التي تتمتع بها غالبية الطبقة السياسية، وبالتالي فإن الخوف ان يكون «قيصر» رأس جبل الجليد الذي لن نعرف ماذا سيكون تحته وماذا يخبئ للبنان، ولذلك على الحكومة التفتيش عن الوسيلة التي تجعل تقيّدها بالقانون لا يتعارض ومصالح لبنان العليا.