منذ العام 2006، تسعى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في كل مرة يطرح فيها موضوع تمديد مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل"، إلى إحداث تعديل رسمي في مهمة هذه القوات، رغم الموقف اللبناني الواضح على هذا الصعيد، وهو ما كان محل تأكيد، يوم أمس، في اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بعد أن كان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله قد وجه، في إطلالته الأخيرة، رسالة حاسمة بالنسبة إلى ما يطرح في الأروقة الدولية.
في لقاء بعبدا، ذكر رئيس الجمهورية بأن مجلس الوزراء اتخذ القرار بالتوجه إلى مجلس الأمن بطلب تمديد مهمة "اليونيفيل" لسنة اضافية، اعتباراً من 31 آب 2020، من دون تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها، تمكينا لها من الاستمرار في القيام بدورها الحيوي والذي هو حاجة اقليمية لا بل دولية، في حين أشار رئيس الحكومة حسان دياب إلى أن لبنان يتوقع أن يدرك المجتمع الدولي محاذير أي تعديل في عديد ومهمات "اليونيفيل"، خصوصاً في ظل الواقع الذي يعيشه لبنان اقتصادياً واجتماعياً ومالياً.
في هذا السياق، يربط الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط العودة إلى هذه النغمة، في كل مرة يطرح موضوع التمديد لقوات "اليونيفيل" من قبل مجلس الأمن الدولي، بالفشل الأميركي-الإسرائيلي في تمرير البند 10 من مشروع قرار 1701 في العام 2006، الذي كان يتحدث عن نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية وقوات متعددة الجنسيات تحت الفصل السابع، ويرى أن ما يحصل هو بمثابة جس نبض، لمعرفة ما إذا كان الواقع اللبناني يسمح بإحداث تعديلات في مهمة هذه القوات.
من جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي خليل فليحان، في حديث لـ"النشرة"، أن العقل الأميركي يريد أن يخدم الجانب الإسرائيلي، لكن ما هو مؤكد أن "اليونيفيل" قوات سلام وليست قوات ردع كما تريدها واشنطن، وبالتالي أيّ محاولة لتغيير مهامها من الممكن أن تقود إلى عواقب وخيمة لا أحد يريدها في الوقت الراهن، وإنطلاقاً من ذلك كان موقف معظم السفراء في إجتماع بعبدا واضحا على هذا الصعيد، أي عدم تغيير في مهمة أو مهلة هذه القوات.
وفي حين يشير حطيط، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هذه المحاولات فشلت بسبب الموقف اللبناني الرسمي، بالإضافة إلى الموقفين الروسي والصيني، يلفت إلى أهمية الموقف الفرنسي، نظراً إلى أن باريس تعتبر أن أمن قواتها المتواجدة في جنوب لبنان أساسي في المعادلة، إلا أنه يعتبر أن بعض الأصوات المحلية، التي طرحت في الفترة الماضية موضوع سلاح "حزب الله"، لا تنفصل عن جو الضغوطات القائمة، وبالتالي هو يتوقع أن تزداد تلك الأصوات في الفترة الفاصلة عن صدور قرار التمديد.
بدوره، يشدّد فليحان على أهميّة الموقف اللبناني الرسمي الموحد على هذا الصعيد، ويرى أن الضغوط الأميركية في هذا المجال تأتي في سياق ما تقوم به على مستوى تعقّب "حزب الله"، حيث أن واشنطن تريد تشديد الخناق عليه في المرحلة المقبلة، لكنه يؤكد أنها في هذه المعركة لم تنجح في تحقيق مهمتها، في ظل المواقف الواضحة لباقي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لا سيما روسيا والصين وفرنسا، أي أكثر من النصف.
في هذا الإطار، يلفت حطيط إلى أن الجانب اللبناني طرح، وراء الكواليس، معادلة أن ترحل القوات الدولية في حال كان هناك رغبة في تغيير مهامها، ويرى أن كلمة رئيس الجمهورية، في اللقاء الذي عقد في قصر بعبدا، كانت بمثابة رسالة إلى التجاوزات التي تحصل من قبل "اليونيفيل"، حيث شدّد على أهمية إحترام الحريات العامة والملكيات الخاصة.
في المحصلة، لا تغيير في مهمة "اليونيفيل"، من حيث المبدأ، نظراً إلى أن لبنان نجح في هذه المعركة الدبلوماسية، مستفيداً من الدعم الذي يحظى به موقفه من قبل العديد من الجهات الدولية، لكن هذا لا يعني توقف الضغوط التي تقوم بها واشنطن وتل أبيب، وهي ستتكرر، في المرحلة المقبلة، تحت عناوين عدة.