ليست هي صدفة ان تتزامن عودة الشعارات المطالبة بنزع سلاح "حزب الله"، مع تبنّيها من قبل "ثوار"، مع تنظيم شخصيات سياسية أطر مجموعات لخدمة ذات الهدف، على وقع إطلالة القرار ١٥٥٩ مجدّداً. يبدو ان هناك محرّكاً واحداً لتوجيه كل الحملات السياسية والشعبية والإعلامية والمجتمعية ضد سلاح المقاومة. ماذا يجري؟ ولماذا الآن؟.
تتحدث معلومات عن أن فشل كل الخيارات العسكرية والدبلوماسية الدولية في فرض شروط على الحزب دفع العواصم الغربية إلى إعتماد خطط بديلة تتخذ العناوين المعيشية والإقتصادية سبيلاً للإنقضاض على مفهوم وسلاح حزب الله.
عندما بدأت التظاهرات اللبنانية في ١٧ تشرين الأول الماضي، تفرّج المعنيون على مشاهد اللبنانيين الثائرين بصدق احتجاجاً على اوضاعهم المتردية بوجود فساد نخر عظام الدولة اللبنانية. كان الثائرون خليطاً، لا يجمعهم خط سياسي موحّد، وليس لديهم رؤية وطنية، بل وحّد القلق المعيشي صفوفهم. لكن دخولاً سريعاً، من قبل أكثر من جهة، حصل على خط الإحتجاجات ليأخذ متظاهرين بأيديهم نحو خدمة أهداف متعددة ومتناقضة.
بان الآن أبرز الأهداف: سلاح "حزب الله". هو موضع إشكالية لبنانية، نتيجة التباين المتوارث منذ سنوات بين وجهتي نظر: مؤيدة ومعارضة للسلاح. كان التباين يُضبط في بيانات مجالس الوزراء، من خلال تنظيم الخلاف عبر توزيع السلطة والأدوار، وتدوير الزوايا، وإجراء مؤتمرات حوار وطني.
تأتي عودة عنوان السلاح الى الواجهة من جديد بالتزامن مع محطتين أساسيتين: قانون "قيصر" لمعاقبة سوريا، ومخطط إسرائيل لضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية في فلسطين. بالطبع قد يشكّل طرح عنوان السلاح لبنانياً إشغالاً لحزب الله بتطورات الداخل، بدل أن يتفرّغ لمؤازرة الفلسطينيين معنوياً بالحد الأدنى. قد يكون ايضاً لمخطط إشغال الحزب بآثار اعلامية اكثر منها عملانية، لأن المعروف عن الحزب المذكور أنه يوزّع أدواره بين محازبيه ومناصريه، ولا تُشغله تفاصيل لبنان مهما كان حجمها ومدى خطورتها. الاّ أن هدف خصومه واعدائه هو ارباك بيئته التي يحاول ان يُبعد عنها الأزمات، خصوصاً انهم يستخدمون عناوين مذهبية لمشاكسته في لبنان.
إضافة الى مسألة الضم، يأتي قانون "قيصر" ضد سوريا. يقول مسؤول اميركي في حديث لأحد اللبنانيين: ان الحدود بين سوريا وتركيا تضبطها انقره، والحدود بين سوريا والعراق مضبوطة ايضاً، وكذلك تضبط عمّان الحدود الأردنية السورية، بينما تبقى الحدود اللبنانية السورية التي يستهدفها "قيصر" على وقع حملة لبنانية بشأن المعابر غير الشرعية. كلها عناصر متكاملة تأتي في سياق ضرب مصالح محور واحد يعتبر سلاح "حزب الله" أحد ركائز قوته في وجه إسرائيل وحلفائها.
لذا، يجري التحشيد اللبناني في هذا الإطار ضمن حملة موزّعة ضد الحزب. وتتحدث المعلومات عن ان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري غير معني بالحملة المذكورة، لا في الإعلام ولا في الشارع. كذلك ابلغ رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط "حزب الله" الاّ علاقة له بأي حملة ضد السلاح. بينما يتفرّج رئيس حزب "القوات" سمير جعجع من دون اي تدخل، لا لدعم ولا لرفد اصحاب الحملة الموجّهة ضد "حزب الله".
وعلى هذا الأساس، يبقى في صلب مواجهة الحزب ثلاث جهات ترغب بسرقة شارع ١٧ تشرين الأول الفائت، تحت عنوان ان سلاح الحزب يمنع بناء الدولة:
اولاً، شخصيات يسارية تحقد تاريخياً على "حزب الله" تحاول ان تنظّم مجموعة متجانسة مع شخصيات "فكرية" و"اجتماعية"، وتسعى كعادتها لفرض رؤى سياسية متعلقة بالدولة والسلطة.
ثانياً، شخصيات مسيحية إما هي تنتمي لحزب "الكتائب" الذي يجاهر علناً بمواقفه ضد السلاح، وإمّا هي مستقلة او كانت تنتمي لفريق "١٤ آذار"، تحاول إحراج التيار "الوطني الحر" لإرباك رئيسه جبران باسيل الذي يتحالف مع "حزب الله"، رغم محاولة باسيل التمايز بموقفه الى حد كبير عن الحزب المذكور.
ثالثاً، الفئة صاحبة المشروع الأخطر بسبب رفعها عنوان مذهبي. يحاول أن يتزعم هذه المجموعة رضوان السيد، وتقوم على فكرة جمع شخصيات سنّية، لاعلان مواجهة "حزب الله". لم ينسّق السيد مع قوى فاعلة سنياً، ولا هو ينفّذ خطة عمل سعودية لأن المملكة مشغولة بالكامل ولا تكترث بلبنان الآن. لكن خطوة السيد تأتي استكمالاً لخطواته السابقة. فهل يكرر فشله؟ أم أنه يستند الى أجواء دولية يظهرها قانون "قيصر"؟ خصوصا ان افكار السيد بمشاكسة الحزب تأتي في ظل وجود بيئة لبنانية قلقة إقتصاديا ومعيشياً وسط ضعف الدولة ومؤسساتها، مما يعزز عوامل التشتت والانقسام الطائفي والمذهبي والمناطقي.
لذا، تبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الإتجاهات، لتؤكد ان لبنان ليس بخير في ظل أزمات إقليمية ساخنة. واذا كان عنوان السلاح غير مرتبط اساساً بالداخل، بل بمسألة الحدود الجنوبية، والثروات الطبيعية التي تحاول اسرائيل سرقتها، وايضاً بتوازنات الإقليم، فإن لبنان لن يكون مستقراً من دون اتّضاح المشهد الخارجي. لا زال الوقت مبكراً. فهل يصمد اللبنانيون في وجه الأعاصير؟.