السادس من حزيران الحالي سيتحوّل إلى محطّة مُهمّة لتجديد الإحتجاجات الشعبيّة الواسعة، والتي كانت قد إنطلقت في 17 تشرين الأوّل من العام الماضي، قبل أن يحدّ وباء كورونا من وهجها ومن فعاليّتها. وبحسب التحضيرات القائمة خلف الكواليس، والتقديرات والتحليلات، من المُتوقّع أن تكون تظاهرة السبت حاشدة شعبيًا، لكنّ النتيجة ستكون مرّة جديدة مُخيّبة للآمال! فما هي أسباب هذا التشاؤم؟.
بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الإتصالات والتحضيرات قائمة على قدم وساق لتكون العودة إلى ساحة الشُهداء قويّة الوَقع، وبعض جماعات الحراك تُنسّق مع نظيراتها، في حين تتحرّك أخرى بشكل مُنفصل ومُستقلّ، الأمر الذي يعد بالتمكّن من حشد مجموعات واسعة من المُحتجّين. والشرائح اللبنانيّة الناقمة على السُلطة بالمُطلق، زادت خلال الأشهر القليلة الماضية، وبإستثناء بعض المُستفيدين والمُغالين في الولاءات السياسيّة والحزبيّة والمذهبيّة العمياء، إنّ الغضب الشعبي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، نتيجة تراكم المشاكل الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والحياتيّة، إضافة إلى عدم مُلاحظة الناس أيّ تغييرات مُهمّة في نهج الحُكومة بشكل عام، لجهة إستمرار التدخّلات السياسيّة بعملها، وإستمرار التهديدات بسحب الوزراء منها من جانب أحزاب وزعامات سياسيّة، ولجهة إستمرار الخلافات داخلها على التعيينات والمناصب، وكذلك لجهة عدم إستكمال التوقيفات القضائيّة وبروز التدخلات السياسيّة والطائفيّة فيها. كما أنّ الحلول المَوعودة بقيت حبرًا على ورق، حيث لم يلمس المُواطنون بداية أي حلّ جدّي لأي مُعضلة مَوروثة، علمًا أنّ الناس لم تعد قادرة على إعطاء فترات سماح–ولوّ حتى لبضعة أسابيع، الأمر الذي تدفع ثمنه الحكومة الحاليّة بشكل غير مُنصف، باعتبارها فتيّة العُود نسبة إلى الفترة الزمنيّة التي أمضتها في الحُكم مُقارنة بباقي الحُكومات. وبالتالي، إضافة إلى توقّع حُشود واسعة من قبل مجموعات وهيئات "المُجتمع المَدني"، و"العسكريّين المُتقاعدين"، إلخ. يُنتظر أن تُشارك مجموعات من ناس غير مُنضوين تحت أي راية–إذا جاز التعبير. إلى ذلك، إنّ عددًا من أنصار "تيّار المُستقبل" الذين كانوا قد تظاهروا في السابق، وساهموا بشكل أو بآخر في إسقاط حُكومة رئيس "التيّار الأزرق" سعد الحريري، غاضبون من تحوّل "زعيمهم" إلى كبش فداء وحيد للإنتفاضة الشعبيّة. كما أنّ عددًا من أنصار حزبيّ "القوات" و"الإشتراكي" الذين تحرّكوا ميدانيًا في السابق أيضًا، يرفضون أن تكون نتيجة "الثورة"، خروجهم من السُلطة، وبقاء باقي الأحزاب والزعامات–ولوّ بشكل مُموّه. يُذكر أنّ لا تبنّي رسمي على الإطلاق لكل من "المُستقبل" والقوات" و"الإشتراكي" لأيّ تحرّك ميداني من قبل أنصارهم في الإحتجاجات، بعكس حزب "الكتائب" الذي يتحضّر هذه المرّة للمُشاركة بشكل علنيّ في التظاهرة، شأنه في ذلك شأن جهات شيوعيّة الهَوى وقُوى يساريّة مُختلفة.
وكل ما سبق من تلاقي مصالح، سيجعل تظاهرة السبت حاشدة بالتأكيد، لكنّ النتيجة المُرتقبة لهذه الموجة الجديدة من التحركات الشعبيّة لن تكون مُختلفة عن سابقاتها، لجهة عدم تحقيق أيّ نتائج تُذكر. ويُمكن إيجاز أبرز الأسباب، بالتالي:
أوّلاً: إنّ الإنقسامات التي ظهرت في صُفوف المُحتجّين في السابق، زادت في المرحلة الأخيرة، نتيجة تلاقي مجموعات واسعة مُتناقضة في الشارع، وإستغلال الكثيرين هذا التناقض لإبرازه ولتقسيم المُنتفضين. وفي هذا السياق، إنّ التظاهر أمام منازل نوّاب من حزبي "الكتائب" و"القوات" ووصف رئيس الجُمهوريّة اللبنانيّة المُنتخب الشهيد بشير الجميل بالخائن والعميل، إستفزّ جزءًا من المُتظاهرين الذين كانوا يلتقون مع سواهم في رفضهم للسُلطة القائمة، في حين أنّ تركيز بعض المُتظاهرين على سلاح "حزب الله" وعلى ضرورة تطبيق القرارات الدَوليّة، وفي طليعتها القرار 1559، إستفزّ مُحتجّين آخرين يرفضون ما يصفونه بتسييس التحركات المَطلبيّة، وكذلك مُحتجّين يرفضون ما يعتبرونه إنصياعًا للإملاءات الأميركيّة.
ثانيًا: إنّ التهجّم على كل القيادات من دون أيّ إستثناء، والتمسّك بشعار "كلّن يعني كلّن" بشكل غوغائيّ، أبعد الكثير من المُؤيّدين للإحتجاجات الذين ما زالوا يضعون الآمال على هذا أو ذاك من القيادات، لإنقاذ لبنان من براثن الفساد.
ثالثًا: إنّ مُنظّمي الإحتجاجات الشعبيّة فشلوا حتى الساعة في التوصّل إلى قيادة مُوحّدة، على الرغم من بذل جُهود كبيرة في هذا الإتجاه، خلال الأسبابيع القليلة الماضية، الأمر الذي زاد من حدّة التنافس الداخلي في صُفوف "الحراك"، من دون التمكّن من توحيد أجندة الأهداف، الأمر الذي يعني مرّة جديدة ضياع فرصة توحيد المطالب. وتُوجد خلافات داخليّة كبيرة، نتيجة ما يعتبره بعض المُنظّمين تكبيرًا لحجر المَطالب، بشكل يُؤدّي إلى فشل حتمي، بحيث يسخر هؤلاء من حديث المُنتفضين عن تغيير كامل السُلطة من رأس الهرم نزولاً، وعن إجراء إنتخابات نيابيّة مُبكرة وفق قانون جديد، وعن إستعادة الأموال المَنهوبة ومُحاكمة الفاسدين، إلخ. بدلاً من رفع مطالب أكثر واقعيّة وقابلة للتحقيق، وبشكل تدريجي.
رابعًا: إنّ إصرار جزء من "الحراك" على سياسة قطع الطُرقات، أبعد شرائح أخرى من الناس الغاضبين، لعدم إقتناعهم بجدوى هذه الوسيلة التي لا تؤثّر على السُلطة، بل تؤذي مصالح الناس الباحثة يوميًا عن لقمة عيشها، وتزيد من تردّي الأوضاع.
خامسًا: إنّ التباين في النظرة إزاء "حزب سبعة" الذي يُحاول التمايز عن باقي الأحزاب اللبنانيّة، عبر تبنّي شعارات "ثوريّة"، ضاعف النظرة المُريبة إزاءه من قبل بعض المُتظاهرين، حيث يعتبر هؤلاء أنّه يُنفذ أجندات خارجيّة، وأنه يستفيد من تمويل مَشبوه، إلخ.
في الخلاصة، لا يهمّ حجم الحُشود التي ستنزل إلى الشارع يوم السبت، لأنّ الأمور في خواتيمها. وطالما إستمرّت إنقسامات المُحتجّين، وفي حال جرى التمسّك بشعارات غوغائيّة وبسياسة قطع الطُرقات من دون أيّ أفق، فهذا يعني تلقائيًا أن لا نتائج مُهمّة مُرتقبة من أي تحرّك ميدانيّ. فهل سنشهد تغييرًا نوعيًا في خطاب مُحرّكي التظاهرات، أم أنّنا سنشهد إستمرارًا لنسخة سابقة من التحركات الشعبيّة الفاشلة، بمُواجهة إستمرار النسخة السابقة من الحُكومات غير المُنتجة والتي تدور في حلقة مُفرغة؟!.