تتغيّر التواريخ والأزمنة، وتبقى العلاقة بين أميركا وإيران محطّ أنظار العالم. فما قبل نجاح الثورة الإسلامية في ايران عام 1979، لطالما كانت العلاقة بين البلدين تأخذ منحى تصاعدياً يصل أحياناً الى خطر الحرب، وفي أحيان أخرى تكون واشنطن المرجع الأساسي لطهران، خصوصاً في فترة حكم الشاه رضا بهلوي. بعد الثورة الإسلامية أصبحت الولايات المتّحدة عدوّ إيران الأول، الا أن هذا لم يمنعهما من التفاوض بشكل مباشر وتبادل المعتقلين، وآخر هذه العمليّات كانت بالتبادل بين الأميركي مايكل وايت، والعالم الإيراني سيروس أصغري.
بعيداً عن فترة حكم الشاه، وفي تاريخ إيران الحديث أيّ بعد نجاح ثورة الإمام روح الله الخميني، كانت هذه العلاقة صعبة ولم تشهد حتى اليوم أيّ فترة ركود او سكون. لكن ما بدا لافتا، أن طوال هذه الفترة التي تتعدى الـ41 سنة، كان للمساجين في البلدين الدور الكبير في تنفيس الإحتقان بينهما، أو حتى إشعال العلاقة.
رهائن السفارة وتحدّي كارتر!
عند نجاح الثورة الإسلامية، لم ترَ واشنطن بالبداية خطراً على مصالحها خصوصاً في مسألة الحصول على النفط الإيراني. إلا أن ما حصل في الرابع من تشرين الثاني من العام 1979 قلب التمنيّات رأساً على عقب. ففي هذا اليوم قامت مجموعة من "الطلبة الإسلاميين" بالسيطرة على السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا عدداً من الدبلوماسيين الأميركيين. وبعد 36 ساعة من عملية الاحتجاز، أعطى الخميني موافقته على هذه العملية وأعطاها اسم "الثورة الثانية" خصوصا بعد انتشار صور الأميركيين معصوبي الأعين على الفضاء العالمي.
طلبات إيران يومها كانت تتلخص بـ"إعادة الشاه الذي طلب اللجوء إلى أميركا بهدف محاكمته من قبل الشعب، إعادة أرصدته، انهاء التدخل في الشؤون الايرانية، الاعتذار عن جرائم أميركا بحق الشعب الإيراني". وبالنظر إلى هذه الطلبات، نجد ترسّخ الرغبة في الثأر من أميركا التي أجهضت الثورة الأولى لمحمد مصدق عام 1953 بعد مؤامرة من الشاه الذي عاد وقضى على كل حلم بالتغيير يومها.
عند عملية الاحتجاز هذه بدأت سبحة العقوبات الاقتصادية والسياسية تكّر على ايران بهدف الافراج عن المحتجزين إلا أنها كلها فشلت، كما باءت بالفشل أيضا كل الجهود الدبلوماسية وحتى الحلول العسكرية بعد ما حصل في عملية مخلب النسر في صحراء طبس. حينها اقتنع الرئيس الأميركي جيمي كارتر أن أزمة الرهائن لن تنتهي قبل نضوج الظرف السياسي مع طهران.
مع تقدم الزمن، ومع بدء بلورة نجاح ثورة الخميني، بدأ مؤسس الجمهورية الإسلامية بالتفكير جدياً بتسليم الرهائن خصوصاً بعد زوال الضغوط العسكرية ولغة التهديد من اميركا باتجاه ايران. وفي 16 أيلول من العام 1980 أرجأ الخميني البحث بهذه القضية لبعض الوقت، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية والمعركة بين كارتر والمرشح يومها رونالد ريغان.
أراد الإيرانيون من إطالة أمد الحجز إغاظة الأميركيين وإثارة غضبهم، وأراد الخميني إظهار العجز الأميركي واثبات قدرة ايران على التأثير في الانتخابات الأميركية. هنا، يقول الخبير الأميركي في الأمن القومي والشؤون العسكرية والخليج الفارسي كينيث بولاك أن "المعلومات الإستخباراتية تدل على أن الخميني كان مصمما على إذلال وإضعاف ونسف فرص إعادة انتخاب الرئيس كارتر".
في نهاية هذه الأحداث، ورغم تحقيق الإيرانيين أغلب أهدافهم (مالياً، تم تحرير الأرصدة المجمدة العائدة للشاه، سياسياً حصل الإسلاميون على تعاطف الشعب الإيراني وبالتالي تكتل الشعب حول الخميني، ومعنوياً شعر الإيرانيون أنه باستطاعتهم تحدّي اميركا والثأر لما حصل مع مصدّق عام 1953، إلا أن عملية الاحتجاز استمرت 444 يوماً ولم يتم الافراج عن الرهائن الـ52 إلا في اليوم الذي خلف فيه رونالد ريغان سلفه كارتر، وما إن أنهى ريغان أداء القسم، حتى اطلق سراح الرهائن وسمح لطائرتهم بالإقلاع بتاريخ 21 كانون الثاني 1981، ويكون بذلك الخميني قد انتقم من الإدارة الأميركية ومن كارتر تحديداً.
تبادل الرهائن وتحدّي ترامب!
اليوم يكرر التاريخ نفسه ولو بتفاصيل مغايرة، والكره الإيراني للرئيس الأميركي الحالي يفوق كرههم لكارتر، ولكن تبادل المعتقلين لا يزال هو نفسه، وإن جاء هذه المرة قبل الانتخابات الأميركية الرئاسيّة، الامر الذي قدّره ترامب وشكر إيران على أساسه متحدثا عن إتفاق حصل. ولكن الرد الإيراني على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف ّكان بتذكير ترامب بعدم أهليته للحديث عن الاتفاقات، خصوصا وأنه سبب فشل الاتفاق النووي، مشددا على أنّه بإمكانه تصحيح الوضع اليوم.
قد تكون عملية التبادل هذه أقلّ من مبادرة حسن نيّة وأكثر من فعل إنساني إيراني، ولكنّها من دون شكّ تفتح كوّة في جدار الأزمة بين إيران وأميركا، اذ لطالما فتحت عمليّات التبادل بينهما كوّة، احيانا كانت تتوسّع، واحيانا كانت تُردم سريعا.