رغم إختلاف الشعارات، التي يتحلقون تحتها، يبقى الهدف الأساس "لمفجري ثورة 17 تشرين" الفعليين، هو إستهداف المقاومة في لبنان، ومحورها في المنطقة، خصوصاً لجهة إمكان إنفتاح لبنان نحو العراق وسواه من الدول العربية، عبر البوابة السورية، مع كل التقدير للمواطنين الشرفاء، الذين نزلوا الى الشوارع وافترشوا الساحات، للمطالبة بتأمين لقمة عيشهم، وبالتأكيد، ان هذا التحرك مشروع، لا بل مطلوب، ومقدس أيضاً، على أن تكون بوصلته موجهةً في الإتجاه الصحيح، تحديداً لتحقيق مطالب: مكافحة الفساد، ووقف الهدر، ودعم السلطة القضائية، والمؤسسات الرقابية، وألا يستغل التحرك المطلبي، لتحقيق الهدف المذكور أعلاه، من أعداء المقاومة في الخارج، وعملائهم، وأدواتهم في الداخل. وليس من باب المصادفة على الإطلاق، أن تأتي محاولات مستغلي وجع الناس، تحميل عهد الرئيس العماد ميشال عون، والنائب جبران باسيل، عربدة الحكومات المتعاقبة على السلطة في لبنان على مدى ثلاثين سنة، عقب إعلان نية وزير الخارجية السابق، بالتوجه الى دمشق، للتفاهم مع القيادة فيها، على تأمين عودة النازحين ، وتنشيط الحركة التجارية والنقل عبر الحدود المشتركة بين البلدين، ومنها الى الدول العربية، وجاء الرد على رئيس التيار الوطني الحر، في تشرين الأول الفائت "بالهيلاهو"، لقطع الطريق على تحقيق مبادرته المرتجاة، خصوصاً في ضوء الضائقة الاقتصادية التي يمر فيها لبنان. كذلك ليس من باب المصادفة أيضاً، أن يقرر "الثوار"، إعادة تنشيط تحركهم راهناً، في ضوء تطبيق الولايات المتحدة "قانون قيصر"، الذي يرمي الى خنق الشعب السوري، وقطع خطوط المقاومة في لبنان، سبق ذلك حملة إعلامية وسياسية مضللة، تطالب بإغلاق المعابر غير الشرعية، جاءت داعماً "للقيصر" من لبنان، والسعي الى مساندة واشنطن على تجويع السوريين، عبر أراضيه، في وقت تجري الحكومة مفاوضات للاستدانة من صندق النقد الدولي، للضغط عليها أيضا، ومحاولة إجبارها الإنخراط في المشروع الأميركي.
لكن على ما يبدو، ان هذا التحرك المستجد اليوم، ولد مشلولاً، بدليل التشتت في الآراء والتوجهات لدى الجهات المنظمة له، فالإنفسام بينها، ليس "فلوكلورياً"، بمعنى أي أنها لم تقسم نفسها، فريقين، فريق يرفع مطلب بنزع سلاح المقاومة، وآخر يطالب بتحسين الظروف المعيشية، فالأمر ليس كذلك، فقد نجح المعنيون في المقاومة في إقناع عدد كبير من المنضوين في الثورة، لعدم الخروج على أهدافها المحقة، والإنجرار وراء مشاريعٍ خارجيةٍ، قد تؤدي في نهاية المطاف، الى فتنة مذهبية، وبدى هذا النجاح جلياً أمس في ساحة النور في طرابلس، عندما إنفسم المتظاهرون بين رافض للنيل من سلاح المقاومة، التي علت صراختهم رفضاً لذلك، ورددوا علناً: "إن هذا السلاح حرر لبنان من العدو الإسرائيلي، وأسهم في درء الخطر التكفيري عن البلد"، وبين مؤيد لنزع السلاح، يتصدرهم جماعتي الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، وبهاء الدين الحريري، بحسب تأكيد العديد من المتابعين للتحرك المذكور أمس.
أمام هذا المشهد، ثمنت مصادر في فريق الثامن من آذار، الوعي السياسي لدى أبناء الفيحاء وحسهم الوطني، وتصديهم لمحاولات بعض الطارئين عليها، حرفها عن دورها العروبي، ودفعها نحو أتون فتنة مذهبية، من خلال سعي هؤلاء، الى تحشيد ساحة سنية في مواجهة ساحة شيعية، عبر طرح مسألة سلاح المقاومة، في تحركٍ مطلبي، على حد تعبير المصادر. وفي المناسبة، تسأل المصادر: "إذا كان هدف حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، هو إجراء إنتخابات نيابية مبكرة وسواها، كما يدعيان، فلماذا لا يدعوان الى التظاهر في ساحة جونية على سبيل المثال؟" . وتجزم المصادر أن هدف هاتين الجهتين، مع حلفائهما، وفي طليعتهم ريفي وبهاء الحريري، هو النيل من سلاح المقاومة، مهما بلغت الأثمان، ولو بلغت حد الفتنة، إرضاءَ لرعاتهم الخارجيين، خصوصاً أن لديهما طموح وسعي، للحصول على ميراث سعد الحريري السياسي، وأن يكن يشكل عامل التآمر على المقاومة ودورها جامعاً مشتركاً بينهم، أسوة بما يحدث في سورية، عندما وحدت واشنطن جهود كل من: تركيا والسعودية وقطر المتنافرين، لإسقاط الدولة السورية، تختم المصادر.
وفي سياق متصلٍ، تكشف مصادر واسعة الإطلاع، أن فريق الرئيس الحريري، ومن يدور في فلكه، غير متحمسين للمشاركة في أي تحرك راهناً، حفاظاً على علاقة الأخير بحزب الله، وعدم إثارة غضبة، خصوصاً في ضوء مشاورات أجريت بين الفريقين في الأيام القليلة الفائتة، تضمنت بحثاً جدياً في إمكان إستقالة حكومة الرئيس حسان دياب، إنطلاقاً من هنا جاء زخم التحرك في طرابلس أمس ضعيفاً، خصوصاً أن الرئيس نجيب ميقاتي أيضاً، ليس بعيداً عن الأجواء الحريرية، كونهما منضويين في تجمع رؤساء الحكومات السابقين، تختم هذه المصادر.