لم تكن الولايات المتحدة الاميركية قد بدأت تتنفس الصعداء بعد إقفال شبه تام بسبب الوباء الذي أطاح بالعالم، حتى أتى وباء من نوع آخر لا يقل خطورة عن سلفه، وإذا لم يُقض وباء الكورونا على المواطن، سيقوم الوباء الأخير بالواجب وسيقضي على ما تبقى.
وباءُ من نوع آخر علاجه ليس موجودا في الصيدليات ولا في المستشفيات ولا في عيادات الأطباء، بل في عقل الانسان.
هذا الوباء الذي يسمى "التحريض" هدفه إحداث شرخ في المجتمع وإضعافه، للوصول إلى المبتغى المطلوب.
ما جرى في ولاية ميناسوتا الأميركية هي "لحظة تخلّ"، وهي اللحظة التي يتصرف الإنسان خلالها بموجب غريزته وليس بموجب عقله وضميره. وقد تكلّف الإنسان ثمناً باهظاً، السجن لسنوات او السجن المؤبد، وفي بعض الدول الإعدام. وهنا قد يكون مرتكب الجريمة نال العقاب اللازم على فعلته.
في المقلب الآخر هناك المستفيدون من "الجريمة"، يوظفونها لمآربهم ومصالحهم الشخصية، فيبثون الأفكار في عقول الضعفاء وتبدأ كرة الثلج تتدحرج مسرعة من دون توازن، إلى أن تصطدم بشيء، مسببة الأذى لها ولغيرها.
في الولايات المتحدة الاميركية، وبعد حادثة مقتل المواطن جورج فلويد، عادت إلى الواجهة قصة الانقسام العرقي والاصطفافات الشعبية والحزبية والسياسية، وترجمت كأول ردّة فعل بأعمال التخريب والشغب والتظاهرات.
قصدت الموقع الذي داهمه عدد من الشبان كردة فعل وتسجيل موقف على مقتل فلويد نهار الأحد ٣١ أيار الماضي في مدينة Scottsdale في ولاية أريزونا...
آراء لصحفيين ومحللين سياسيين صبّت في معظمها في خانة واحدة، "ما حصل في الشارع مرفوض جملة وتفصيلا، أرزاق الناس ليست فشّة خلق".
الصحافة التي تواكب التظاهرات لليوم ١٣ على التوالي تؤكد ان ليس هناك مطالب محدّدة للمتظاهرين، وما يقومون به لا يتجاوز حد استنكار جريمة القتل.
احد المتابعين للأحداث وهو موالٍ للحزب الجمهوري، أكد بأن ما يحدث له علاقة مباشرة بانتخابات الرئاسة المرتقبة في تشرين الثاني المقبل، وأضاف ان الحزب الديمقراطي لا يبالي لمصلحة الولايات المتحدة، وكل ما يهمّه هو الوصول إلى الرئاسة وعدم السماح للرئيس الأميركي دونالد ترامب بالفوز بولاية رئاسية ثانية.
عندما سألت إحدى الفتيات من العرق الأسود عن خطورة التظاهر من حيث انتقال وباء الكورونا وحرارة الشمس فقالت لي who care. حرارة ما يشعرون به من ظلم تجاه العرق الأسود والذي ترجم بمقتل جورج فلويد، تبدو أقسى من عوامل الطبيعة والوباء.
في اتصال معنا، عبر السيناتور الأميركي، اللبناني سام زاخم (والذي، يشغل اليوم منصب مستشار الرئيس ترامب في حملته الأنتخابية) عن أسفه لما حصل للولايات المتحدة الاميركية بعد حادثة مقتل جورج فلويد، مؤكدا انها لم تكن مقصودة، أي أن يقتل ابيض رجلا اسود، من دو ان يبرر فعل الشرطي. واستعان بالمثل الانكليزي القائل: "there is always rotten apple in the basket"
وفي المقابل، لم يؤيد زاخم مطالب العنصر الأسود في التظاهرات بالعدالة والمساواة وعدم التمييز الاجتماعي والاقتصادي، فبرأيه ٦٠ بالمئة من هؤلاء يعيشون على نفقة وزارة الشؤون الاجتماعية welfare وهذا غير مقبول. "عندما أتيت إلى الولايات المتحدة الاميركية عملت في غسل الصحون في المطاعم وفي مواقف للسيارات لأكمل تحصيلي العلمي ولم اطلب فلساً من احد".
وبسؤالي عما اذا كان الحزب الديمقراطي مستفيدا من هذه الجريمة ليسخّرها لمصلحة الانتخابات الرئاسية، أجاب "نعم بالتأكيد، فالديمقراطيون مع السود في الشارع".
ساعة التخلّي فعلت فعلها، وقدّمت للعالم وباء" التحريض" على طبق من فضة، مرّة أخرى نقع في فخ الشرّ.