لم تُسجّل أي إشارة خليجية تجاه مستجدّات لبنان، بعدما كانت بيروت عاصمة العرب، لا يتخلّون عنها لا في السرّاء ولا في الضرّاء. يردّد قدامى أركان "١٤ آذار" كلامهم عن غياب كلّي لأي دور سعودي أو إماراتي حالياً. هم لا يملكون جواباً شافياً عن سبب "التخلّي" العربي عن لعب أدوار إعتاد عليها اللبنانيون: هل هو بسبب الإنشغال بساحاتهم الداخلية بعد تدحرج الأزمات الإقتصادية؟ هل هناك عتب على اللبنانيين؟ هل هناك ضغوط أميركية تمنع مد اليد إلى لبنان؟ كلها أسئلة عالقة لا تجد جواباً الآن.
يُقال هنا أن جمهورية مصر العربية وحدها تحرص على عدم ترك لبنان، وهي تشكّل صلة وصل بين بيروت وباقي عواصم العرب وخصوصاً الرياض وأبوظبي. اساساً تُشكل القاهرة جسراً نحو كل الإتجاهات، وهي قادرة أن تمون على الدول العربية وعلى معظم الأفرقاء اللبنانيين، من دون وضع عراقيل ولا اي ملاحظات بشأن الدور المصري. هناك من يحنّ في لبنان إلى أدوار القاهرة التاريخية، ويتعاملون مع مصر كركن عربي فاعل قادر على الحديث مع الأقربين والأبعدين.
من هنا تأتي حركة السفير المصري في لبنان ياسر العلوي، الذي إستطاع أن يعيد لبلاده في بيروت وهجاً بان في أكثر من محطة بقي معظمها طي الكتمان في الأسابيع الماضية، إلى ان اتى حديث السفير العلوي في عين التينة، فكان لافتاً ويستحق التوقف عنده، اولاً لجهة الثقة المصرية بدور رئيس مجلس النواب نبيه بري. صحيح أن العلوي أشاد "برجل دولة كان موقفه شرطاً اساسياً لتجاوز الفتنة التي أُريد للبنان الوقوع بها". لكن التعمّق في كلام سفير مصر يشير إلى حاجة العرب لوأد اي مشروع فتنة طائفية ومذهبية في لبنان، وهم يعتمدون على بري لمنع اي تدهور يصيب بلادنا. لذا، كان تأكيد المصريين أن رئيس المجلس النيابي اللبناني "يمثل ضمانة اساسية لا غنى عنها للاستقرار في هذا البلد وفي منطقة المشرق العربي".
ثانياً، لن تتفرج مصر على إنفلات الساحة المشرقية العربية، بل ستتدخل "لقطع اليد التي تحاول إثارة الفتنة، لأن الاستقرار خط أحمر". ومن هنا يربط المصريون ذاك الاستقرار بالأمن القومي العربي، ويعوّلون بالدرجة الأولى على إبقاء الجسور مفتوحة بين القيادات اللبنانية، ويعتبرون أن هذا الدور الرابط بين القوى السياسية يلعبه بري، لأنه "الميدان الذي تتقاطع عنده كل الطرق، وهو ضامن رئيسي للإستقرار بعلاقاته وابوابه المفتوحة"، كما وصفه السفير المصري.
كل ذلك يعني أن القاهرة التي تدعم توجّهات رئيس المجلس النيابي اللبناني تقول له الآن: تقدّم بالجمع ونحن معك. لن نترك لبنان للفوضى. لن نسمح بالفتنة.
لن يكون هذا الموقف عابراً بعدما تزاحمت المؤشرات الميدانية والسياسية اللبنانية التي توحي بأن لبنان معرضّ لمزيد من تداعيات الأزمتين السياسية والأمنية. خصوصاً أن تأثير قانون "قيصر" سيظهر في لبنان، وسيطال الزراعة والصناعة واي تصدير يمر عبر الأراضي السورية. واذا كانت عواصم دولية وعربية لا تعطي اي إهتمام للحكومة اللبنانية، فإن مصر حاجة لبنانية إضافية كي نتجنّب مزيداً من الأخطار. هي قادرة على لعب دور ما، في ظل "التخلّي" العربي الحالي عن بيروت. هي تستطيع أيضاً أن تتواصل مع كل عواصم العالم. فإذا كانت القاهرة جدّدت ثقتها برئيس المجلس النيابي اللبناني، كما ظهر في طبيعة ومضمون زيارة سفيرها الى عين التينة بدافع دعمه لمباشرة خطوات الجمع، فإنّ واجب اللبنانيين ملاقاة الدعوة المصرية، لأن أي مشاكسة داخلية لرفض التلاقي سيدفع اثمانها اللبنانيون مزيداً من الفوضى المجتمعية والصعوبات المعيشية.
كيف يمكن ترجمة الحرص المصري؟ وهل يجد بري الوقت مناسباً لجمع القوى؟ أم ان الجمع يبدأ بتأليف حكومة وطنية جديدة؟ او تكون الحكومة العتيدة ثمرة التلاقي؟.
كلها أسئلة مطروحة، لا جواب لها عند أحد لغاية الآن. لكن الخطوات الجامعة مطلوبة كي لا يبقى لبنان مكبّل اليدين يتفرّج على غرق مواطنيه في مستنقعات الأزمات. وهو ما دعا نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي إلى الحث على حكومة الوحدة الوطنية: اذا كانت ازماتنا لا تجمعنا فمتى نجتمع؟.