أشار البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في عظته خلال القداس لراحة نفس المثلَّث الرَّحمة المطران يوسف بشاره إلى أن "المطران يوسف أدرك أبعاد وصف الرَّبِّ يسوع ذاته "بالرَّاعي الصَّالح". ففهِم، كما أعلنَ في احتفال تسلُّمِه للأبرشيَّة، أنَّه مدعوٌّ ليكون "على مثال المسيح الرَّاعي الصَّالح، عينًا تسهر، وأذنًا تسمع، وقلبًا يُحِبّ".
وتابع الراعي :"هكذا فعل منذ توليته على الأبرشيَّة في أحد العنصرة 18 أيَّار 1986 حتَّى قبول استقالته بداعي السِّنّ، بعد تمديد سنتين، وانتخاب خلفه المثلَّث الرَّحمة المطران كميل زيدان، وتسلُّمه الأبرشيَّة في الأوَّل من تمّوز 2012. وقد دامت رعايته سِتًّا وعشرين سنةً مليئةً بالعطاءات، على مختلف الأصعدة: الرَّاعويَّة، والرُّوحيَّة، والكنسيَّة، والوطنيَّة، والعمرانيَّة، وبعد الاستقالة تابع العطاء بإلقاء المحاضرات وإرشاد رياضات روحيَّة. وملأ أوقاته الحرَّة بالمطالعات للكتب الجديدة، والمقالات التَّحليليَّة، والمواظبة على اجتماعات المطارنة الشَّهريَّة، والرِّياضات والمجامع السَّنويَّة، ودورات مجلس البطاركة والأساقفة، حتَّى الأسبوع الأخير من حياته".
وراى الراعي أن "السَّنوات الكهنوتيَّة الغنيَّة بالرُّوحانيَّة والعِلم والرُّوح الرَّاعويَّة، هيَّأته ليعيِّنه القدِّيس البابا يوحنَّا بولس الثَّاني مطرانًا للأبرشيَّة في 4 نيسان 1986، خلفًا للمثلَّث الرَّحمة المطران الياس فرح المستقيل بداعي السِّنّ، فكان الأسقف المميَّز بفضائله وتجرده وعلمه ورؤيته الرَّاعويَّة ومواهبه القياديَّة وقيمته الوطنية. وما أن باشر خدمته الرَّاعويَّة على رأس الأبرشيَّة حتَّى طوَّر شعارَه الأسقفيَّ إلى "معًا في الخدمة لبُنيان الكنيسة".
واضاف :"في الواقع كان أوَّل أسقف طبَّقَ تعاليم المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، بتأليف الكوريا الأسقفيَّة والمجالس الكهنوتيَّة والإداريَّة والرَّعويَّة، واللِّجان على تنوُّعِها، وأسَّس مجلَّة "كنيستنا". وكان الأوَّل في عقد مجمعٍ أبرشيّ تطبيقيّ للمجمع البطريركيّ المارونيّ، دام ثلاث سنوات. وأولى اهتمامًا خاصًّا بالإكليريكيِّين والكهنة، وبإدراج العلمانيِّين في حياة الأبرشيَّة. ووضع دليل الكاهن الرَّاعويّ ليكون مرجعًا له في خدمته. وواصلَ ما دأبت عليه المطرانيَّة من تدابير بشأن مدارسها وهي: تحديد ولاية المدراء أو الرُّؤساء بتسع سنوات، وإرسال كهنة يتخصَّصون بالتَّربية والإدارة المدرسيَّة في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة وأوروبا".
وتابع الراعي :"مِن نشاطاته على الصَّعيد الوطنيّ، لا بدَّ من أن نذكر لقاء قرنة شهوان الذي كوَّنَ الصَّدى لصوت البطريرك بدءًا من سنة 1977، والذي جمعَ شخصيَّاتٍ مارونيَّةً وغير مارونيَّة، معنيَّة بتحرير لبنان من السَّيطرة السُّورية، وحماية سيادته، واستعادة قراره السِّياسيّ الحرّ. فتحمَّل المطران يوسف هذه المسؤوليَّة بالرُّغم من الانتقادات الدَّاخليَّة والخارجيَّة، والتَّهديدات والمحاربة المعنويَّة والكلامية والفكريَّة والعمليَّة. فصمَدَ حبًّا بلبنان حتَّى النِّهاية. وكانت بياناتُ هذا اللِّقاء جريئةً وموجِّهةً، ذكَّرَتنا "بالجبهة اللُّبنانيَّة" التي قادت المقاومة اللُّبنانيَّة الشَّعبيَّة في حرب السَّنتين 1975 و 1976، وأمَّنت خلاص لبنان".
وسأل الراعي :"كم هي ناطقةٌ طريقة موته ووداعه! فمنذ أقلَّ من أسبوع، وبعد أن أنهى الكلام الجوهريّ في قدَّاسه واستدعاء حلول الرُّوح القدس على القرابين وعليه، سقطَ أرضًا مغشيًا عليه. فذكَّرَنا بميتة القدِّيس شربل. واليوم في وداعه، ومن دون صدفة، هو عيد القربان المقدَّس. ما يعني أنَّه عاش متماهيًا مع المسيح الكاهن والذَّبيح. ونحن نصلِّي ونرجو أن يشركه في مجد ملكوته".