على وقع المعلومات عن إرتفاع جنوني بسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، تحرك الشارع في أكثر من منطقة ليل الخميس الجمعة، لكن في المقابل كانت الكثير من الأسئلة تطرح في العديد من الدوائر حول حقيقة ما يحصل، نظراً إلى تعدد الشعارات التي يتم ترديدها، بين من يريد إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومن يريد إسقاط رئيس الحكومة حسان دياب، الأمر الذي أوحى بأن هناك مبارزة من العيار الثقيل على هذا الصعيد.
هذه المبارزة، عززتها دعوة رئيس الحكومة مجلس الوزراء إلى عقد جلستين طارئتين: الأولى برئاسته في السراي الحكومي والثانية برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري، وسط معلومات عن رغبة لدى "حزب الله" في الضغط من أجل دفع حاكم مصرف لبنان إلى ضخ دولارات في السوق، بهدف الحد من أزمة إرتفاع سعر صرف الدولار.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن المحرك الأساسي للشارع كان الأوضاع المعيشية، نظراً إلى أن تداعيات إرتفاع سعر صرف الدولار خطيرة على كافة المستويات، لكن هناك أمر لافت جرى التأكيد عليه، طوال ساعات ليل أمس، هو أن الأسعار التي تم الحديث عنها، لا سيما على مواقع التواصل الإجتماعي، غير صحيحة، الأمر الذي أكد عليه مصرف لبنان في البيان الصادر عنه، ما دفع إلى السؤال عما إذا كان هناك من يريد اللعب على هذه الوتيرة لدفع الشارع نحو الإنفجار.
طوال ساعات الليل، كانت قنوات الإتصال بين الأفرقاء السياسيين مفتوحة، لمعرفة ما يمكن القيام به على هذا الصعيد، من دون التوصل إلى أي نتيجة تذكر، نظراً إلى أن أي قرر قد يكون له تداعيات خطيرة على مختلف المستويات، وبالتالي لا يمكن التسرع بأي خطوة قد تقود إلى المجهول، بالرغم من أن كل فريق كان يسعى إلى الإستفادة من الواقع المستجد لتعزيز وجهة نظره، سواء الداعي لإسقاط حكومة دياب أو الراغب في إقالة سلامة.
بالتزامن مع هذا الحراك على المستوى السياسي، كان هناك تحول لافت في بعض التوجهات التي كانت ترسلها بعض الأحزاب إلى مؤيديها، خصوصاً الكوادر منهم، حيث الدعوات كانت إلى عدم التدخل المباشر في حركة الشارع، تحت عنوان واضح هو عدم الوصول إلى صدام مع أي جهة، وهو ما بدى واضحاً في أكثر من منطقة، وفُسر من قبل البعض برغبة في ترك الناس تخرج غضبها، الأمر الذي وضعت حوله الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً بالنسبة إلى جمهور "حزب الله" و"حركة أمل"، بالرغم من أن المعلومات كانت بأن لا علاقة لقيادة الجانبين بالتحركات التي تحصل.
في المقابل، تعمدت بعض الأحزاب إلى توجيه رسائل أخرى، مفادها أن الأوضاع، في الأيام المقبلة، ستكون صعبة جداً، وقد يدخل إلى الشارع الكثير من اللاعبين الجدد، بالإضافة إلى عوامل تدفعه إلى المزيد من التصعيد، الأمر الذي يتطلب منهم رفع مستوى الإنتباه وضبط النفس، وعدم الإنجرار إلى أي إستفزاز، لا سيما أن تجربة تظاهرة السبت الماضي أثبتت أن الشارع قابل للإشتعال في أي لحظة.
في المحصلة، الساعات المقبلة ستكون حافلة بالإتصالات السياسية، التي لا يستطيع أحد حسم نتيجتها في الوقت الراهن، نظراً إلى أنها تشبه عملية عض الأصابع بين أكثر من جهة مختلفة، وربما تقود إلى هدنة مرحلية تساهم في الحد من توتر الشارع، على قاعدة تعهّد سلامة بضخ الكميات الضرورية من الدولار.