توسّعت مساحة الإحتجاجات الشعبية، وأعاد ليل الخميس العناوين الوطنية إلى صلب مشهد التحركات، بعد محطّات إعتراضية كادت ترمي البلد في مرمى الفتن الطائفية والمذهبية. أتى حراك الخميس لتصويب البوصلة الوطنية بعدما كادت احتجاجات السادس من حزيران تُدخل البلد في إنقسام شعبي طائفي ومناطقي خطير. مما يعني أنّ أول هدف لتوسيع دائرة الحراك هو إفشال مخطط الفوضى الطائفية التي أطلّت منذ أيام في مسارين: اولاً، الشياح-عين الرمانة، وإتّخذت طابع المواجهة المسيحية-الشيعية، ليتدخل على خطها سياسيون في صبّ زيت المواقف على نار الإحتجاجات. وثانياً، مشروع فتنة إسلامية سنّية-شيعية أطلت في بيروت وهدّدت بنسف كل أجواء التهدئة السياسية والشعبية على الخطين.
هل حقّق توسيع دائرة الحراك هدفه بطي صفحة السادس من حزيران؟ نعم تحقّق بدليل مشهد الخميس الماضي الذي أوحى بوجود تناغم شعبي واسع حول مطالب معيشية لا غير. لذا، نجحت التحركات بتوحيد المشهد وطنياً.
اما الهدف الثاني من توسيع تلك الدائرة فهو تصويب المطالب وحصرها بعناوين إقتصادية و"تحييد سلاح المقاومة عن شعارات الإحتجاجات، وإجهاض مطالب خارجية أو سياسية محدودة تريد النيل من حزب الله تحديداً". وبالتالي، جاءت إحتجاجات الخميس تركّز في روحيتها على المطالبة بالحد من الغلاء وتراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتطلب الحلول الفورية لأن الشعب لم يعد بمقدوره تحمّل المصاعب المعيشية.
ومن هنا جاء التصويب على دور مصرف لبنان لإجباره على بذل اقصى جهوده في سبيل إعادة ضبط سعر الليرة امام الدولار. لم يكن المطلوب إقالة حاكم المصرف رياض سلامة من منصبه. لم يتم طرح الأمر بهذا الهدف، بل من باب الضغط على سلامة. هناك من يقول ان إقالة سلامة ستكلّف الدولة اللبنانية مزيداً من الفوضى المالية ولا تضبط وضع الليرة اللبنانية. لذا، جاء موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري المقتضب واضحاً بدلالاته: لسنا بحاجة للإستغناء عن الناس. مما يؤكد ان إقالة سلامة غير واردة.
كما أن هناك هدفاً تلقائياً حقّقته التظاهرات يكمن في رسالة وصلت الى رئيس الحكومة حسان دياب توحي بأن عمر الحكومة ليس بيده. متى ما حصل اتفاق سياسي على حكومة وحدة وطنية او إجماع، سيكون أمر فرط الحكومة سهلاً للغاية بالإستناد إلى توق الشعب للتغيير. لم تعد الحكومة ذاتها كما كانت منذ ثلاثة أشهر. سقطت فترة السماح التي أُعطيت لها. لكن ما يُبقيها هي مشكلة البديل. لا يرضى أي بديل وازن بتأليف حكومة تتحمّل تبعات الأزمة القائمة. كل المطروحين لترؤس أي حكومة بديلة ينطلقون من شعار الجمع الوطني ووجوب اتضاح الخطة المالية. لا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بات جاهزاً لإعادة إمساك اللعبة. ولا الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي في وارد القبول بإمساك كرة النار الحكومية. ولا المطروحون لترؤس حكومات: كالنائب فؤاد مخزومي او غيره يقبلون الآن بالحمل الحكومي الثقيل في فترة ضبابية اقليميا ودولياً. هم جميعهم يعرفون أن اي حكومة سيكون مصيرها الفشل في حال عدم توافر مقومات مالية ودعم سياسي خارجي وازن. كلاهما مفقود الآن ولا عثور عليه لا في صندوق نقد دولي ولا في هبات او مؤتمرات.
ماذا بعد؟ جمود سياسي، حراك شعبي متواصل، إعادة ضبط سعر العملة لفترة قد لا تطول: إلى متى يستطيع المصرف المركزي طرح الدولار في السوق؟ انها مسألة معقّدة بغياب مصادر الدولار. مما يعني ان الجميع يعتمد على "تقطيع الوقت". لكن هل يصمد المواطنون في ظل الغلاء الفاحش وزيادة البطالة؟ لا قدرات ولا مقومات للصمود بالطبع. نحن في عمق الأزمة. الخطير الا وجود لفريق ولا لأحد يملك حلولاً جوهرية. كل الحلول مرحلية.