لا يُخفي رئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" وليد جنبلاط قلقه من خطورة الأوضاع التي يمر بها لبنان، في مرحلة دقيقة وحسّاسة، ينشغل فيها العالم بمُواجهة جائحة "كورونا" والقضايا الداخلية للدول.
إحدى المُميّزات التي يتمتّع بها وليد جنبلاط - على الرغم من كل انشغالاته - هي حرصه على مُتابعة كل تطوّر علمي، وقراءة الكُتُب بلغاتٍ مُتعدّدة، فتكتشف مدى الثقافة العميقة، المقرونة بالغوص في أعماق التاريخ، مع المُتابعات والاتصالات الداخلية والدولية، ليلتقط الإشارات قبل كُثُرٍ غيره، فيحلّلها ويُسقِطها على الواقع، ممهورة بخبرة التجارب، مُستخلصاً العِبَر لمُواجهة المرحلة الحسّاسة.
يتنوّع جدول المواعيد، بين الحزبي الداخلي، ومع الفاعليات والقيادات على تنوّع مشاربها، سياسياً وروحياً وحزبياً، بشكل مُباشر أو من خلال مُوفدين خاصّين، وأيضاً دبلوماسياً مع عددٍ من السفراء الأصدقاء العرب ووصولاً إلى الدوليين.
بين كل ذلك يُغرّد عبر حسابه على "تويتر"، مُرفِقاً بصورة مُناسبة تدل على الحدث، فتتوالى الردود.
على هامش لقاء الزعيم الوطني، استمعتُ مطوّلاً إلى هواجس "أبو تيمور"، التي يتداخل فيها استعراض مُختلف القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، كانت دردشة خاصة بـ"اللـواء" حول التطورات على الساحة اللبنانية والدولية.
كما كانت مُقابلة خُصّصت لتناول التطوّرات المُتعلّقة بالقضية الفلسطينية، تُعرَض على شاشة تلفزيون فلسطين في برنامج "من بيروت"، مساء غدٍ (الثلاثاء).
لبنان مُستهدف خارجياً
يُدرك السياسي المخضرم أنّ "لبنان مُستهدف، وهناك دول خارجية (باتت معلومة)، تعمل وتغذّي النعرات والعنف بهدف الفتنة، ونحن لا نُريد أنْ يكون لبنان ضحية سياسات غربية، أو "صندوق بريد" أو ساحة تحقيق مآرب إقليمية ودولية".
ويُؤكد على أهمية الحوار، والتوافق السلمي "وأنْ يعود الأفرقاء اللبنانيون إلى الحوار لأنّه الأساس"، مُشدّداً على أنّ "الفتنة مُتعدّدة، وهي أنْ يندلع الدم، وعندما يندلع الدم لا تستطيع أنْ تُسيطر على أحد، عند ذلك يتحقّق المُخطّط المطلوب من تدمير البلد، فعندما كان في الماضي يسيل الدم، كانت هناك صفقات تُعقد، ومنها على حساب فلسطين".
ويُجدّد "دعم كُلَّ حراكٍ سلمي مطلبي ديمقراطي، ودعم الثورة التي نادى بها كمال جنبلاط"، لكن يُحذّر من "مخاطر مُحاولات البعض حرف ثورة 17 تشرين عن حقيقتها، بتغيير شعاراتها الجميلة، التي ستبقى جميلة، إلى تحرّكات عنفية مُختلفة ترفع شعارات تنبش الأحقاد".
انطلاقاً من حرص الزعيم الوطني على الحوار على صعيد لبنان، وتنظيم الخلاف مع مُختلف الأفرقاء: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، "التيار الوطني الحر"، "حزب الله"، يُركّز على أهمية تنظيم الخلاف السياسي داخل "البيت الداخلي الدرزي"، حيث سارع إلى المُشاركة في اللقاء، الذي عُقِدَ يوم الجمعة في 9 آب 2019، في القصر الجمهوري برعاية الرئيس عون، وحضور رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ورئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان، بعد أسابيع من حادثة البساتين - قبر شمون، التي وقعت يوم الأحد في 30 حزيران 2019، خلال استعداد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لاستقبال وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل في منزله، قبل إلغائها.
وكانت أيضاً وقعت حادثة الشويفات، التي استشهد فيها العضو في "الحزب التقدّمي الاشتراكي" في منطقة الشويفات علاء أبي فرج، يوم الثلاثاء في 8 أيار 2018، إثر إجراء الانتخابات النيابية، بتعرّضه لإطلاق نار اتهم فيه أحد مسؤولي الحماية عن النائب أرسلان، أمين السوقي.
ولاحقاً يوم الثلاثاء في 7 أيار 2019، زار الوزيران أكرم شهيّب ووائل أبو فاعور، الرئيس عون في القصر الجمهوري، وسلّماه إسقاط الحق الشخصي عن المُتّهمين.
وتمَّ في لقاء القصر الجمهوري، وضع نقاط الخلاف على حروف الأزمة، بمُعاقبة المُتورّطين، وإحقاق الحق للضحايا. لكن لم يتم استكمال باقي الخطوات المُتعلّقة بمُعالجة هذا الملف بشكل جذري.
المُصالحة في عين التينة
لدى لقاء أرسلان بالرئيس بري، فاتحه بالموضوع، طالباً منه الوقوف على رأي جنبلاط، فأبلغه رئيس المجلس النيابي بشكل مُباشر بأنّ "جنبلاط مُوافق".
وعند زيارة جنبلاط للرئيس بري برفقة نجله النائب تيمور والوزير السابق غازي العريضي، يوم السبت 6 حزيران الجاري، بعد السبت الدامي، جرى التأكيد على ما تمَّ الاتفاق عليه، بشأن بذل الجهود لوأد الفتنة، التي أطلت مُجدّداً تحت شعارات مذهبية. وأيضاً التأكيد على تنفيذ ما تمَّ الاتفاق عليه بشأن حادثتي الشويفات والبساتين - قبرشمون.
وتمَّ تحديد (اليوم) الإثنين موعداً ليرعى الرئيس بري لقاء المصالحة، بين جنبلاط وأرسلان في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة.
يشدّد جنبلاط دائماً على أنّ "الرئيس بري من ضمانات الوحدة الوطنية، ومن القلائل الذين لديهم الخبرة في الموضوع السياسي اللبناني، وكانت هناك مسيرة نضالية طويلة تعمّدت بالدماء بمُواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإخراجه من بيروت من المُقاومين، بعد غزوه واحتلال العاصمة في العام 1982، كذلك إسقاط اتفاق 17 أيار 1983، والذي تحقق في 6 شباط 1984".
ويدعو جنبلاط في سياق آخر الشعب اللبناني إلى "ضرورة أنْ نُغيّر كل المفهوم، وأنْ نعود إلى كيف كان يعيش الأجداد. لبنان القديم انتهى، لبنان الاقتصاد القديم والترف القديم انتهى، ونتّجه إلى مزيد من المشاكل. علينا عدم المُراهنة على الذين يُريدون تمزيق الوطن اللبناني. وأنْ تكون الأولوية اليوم للإصلاح السياسي، والاهتمام بالمعيشة، وتغيير النظام الاقتصادي من خلال الضرائب التصاعدية. لكن لا تلهيكم شعارات ثانية، كالقرار 1559 وغيره. هذا هو الفخّ الأكبر المنصوب لنا".
في اللقاء مع الزعيم وليد جنبلاط، الحريص على قراءة الكتب، وإهداء المُميّز منها، قدّم لنا كتاب "دروز في زمن الغفلة... من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية"، للراحل البروفسور قيس ماضي فرّو، بعد أنْ قدّمتُ مجموعة كتبي، وقطعة من صفائح "قبّة الصخرة" في القدس المُحتلّة له.