في زمن الحراك الشَّعبيّ المُتواصل، قد يكون من العسير جدًّا أَنْ نحتكم إِلى العقل... ولكن هل ثمَّة خلاصٌ مِن دونه؟.
ها هو قرار وقف العمل بنظام السَّير بحسب أَرقام السيَّارات: مُفرد–مُزدوجة يصدر... فيتسبَّب بانقسامٍ عموديٍّ بين النَّاس، في شأْن اشتياقهم واتِّجاهاتهم، بعد التّخفيف من شروط الحجر المنزليّ المُتشدِّدة... فمنهُم من اشتاق إِلى العمل، ومنهم إِلى تمضية بعض الأَوقات المريحة من خلال القيام بنشاطاتٍ مُعيَّنةٍ... ومنهم من اشتاق إِلى المطاعم والمقاهي... ومنهم في المُقابل، من اشتاق إِلى التَّكسير والعبث بالمُمتلكات العامَّة والخاصَّة... غير أَنَّ نسبة الَّذين يسعَون إِلى البقاء في حال تفكُّرٍ دائمةٍ، لاجتراح الحُلول المُناسبة لأَوضاعهم المعيشيَّة أَو الماليَّة المُتعثِّرة، تبقى النَّسبة الأَضعف، ما يُثبت بالتَّالي، أَنَّ الحاجة الشَّعبيَّة عارمةٌ إِلى التَّمكُّن من حلِّ المُعضلات.
وهذا ما يُؤَدِّي بالتَّالي إِلى فشلنا في مُقاربة مُختلف الملفَّات العالقة، المُلتهبة منها وغير المُلتهبة، وكذلك البسيطة منها والشَّديدة الخُطورة وما بينهما...
على سبيل المثال لا الحصر، ما زلنا عاجزين عن لجم جُموح الدُّولار الأَميركيّ، والأَرقام القياسيَّة الَّتي بلغها، وقد تطايرت مع ارتفاعه الجُنونيِّ الأَسعار كلّها، وبتنا في فوضى هستيريَّةٍ عارمةٍ ليست أَبدًا بخلاَّقةٍ!...
والأَنكى أَنَّ أَيَّ مجالٍ يُمكن أَنْ يُشكِّل مثالاً سيّئًا إِلى حدٍّ كبيرٍ، عن انعدامَيْن اثنَيْن، وإِفلاسَين: في الخُلُق كما وفي الحسّ الوطنيّ!. ويُضاف إِلى ذلك كلِّه، انعدام الرُّؤية الثَّاقبة والافتقاد إِلى امتلاك مهارات حلِّ المُعضلات!.
وأَمَّا المُعضلة، فهي تعني لُغويًّا: الطَّرِيق الضَّيِّقة المخارج، وكذلك فقد تفيد معنى: المسألةُ المُشْكلة التي لا يُهتَدَى لوجهها. ونقول في هذا السِّياق: "نزَلت بهم المُعضلات" (أَيّ) الشَّدائد... كما ونقول: اِمْرَأَةٌ مُعْضِلَةٌ بمعنى أَنَّ وِلاَدَتَهَا صَعْبَةٌ وَعَسِيرَةٌ...
والمُعضلة هي أَيضًا "البديل عن ضرورة اتِّخاذ قرارٍ صعبٍ، يتمثَّل في تحقيق الاختيار بين الخيارات الخُلُقيَّة المُتبادلة، أَو المُعقَّدة... والمعضلة هي مثال على كيف - في حالات التَّفاعُل الاجتماعيّ العامّ، يُمكن أَنْ تتناقض الدَّوافع الأَنانيَّة الشَّخصيَّة، ودوافع الشَّخص مع أَفكار المجتمع وقواعده، مما يضعه في ظُروفٍ صعبةٍ في الاختيار.
كما ويُستخدم مفهوم المُعضِلَة في الكثير مِن العلوم. بالنِّسبة إِلى المنطق والفلسفة، هذا مزيجٌ من الأَحكام المُتعارضة من حيث المعنى، مِن دون خياراتٍ ثالثة مُحتمَلةٍ. وبالنِّسبة إِلى علم النَّفس وعلم الاجتماع، فإِنَّ المُعضلة حال اختيارٍ، يُؤَدِّي فيها كلا القرارَيْن إِلى صُعوباتٍ خطرةٍ وبالقدر نفسِه!.
والمُعضلات الَّتي يُواجهُها النَّاس في حياتهم، وليس فقط في البحث العلميِّ، هي مُعضلاتٌ اجتماعيَّةٌ، كما وتشمل الخيارات الخُلُقيَّة والبيئيَّة...
ومن الأَمثلة الكلاسيكيَّة للمُعضلة الخُلُقيَّة، هي اختيار صوفي (عندما اقترح النَّازيُّون أَنْ تختار المرأَة بين حياة ابنها وحياة ابنتها)، الرَّجل البدين في الكهف (عند تحرير مخرج الكهف وإنقاذ جميع أعضاء المجموعة، من الضَّروريّ تفجير الرّجل البدين)...
وأمَّا حلُّ المُعضلة، فهو دائمًا عمليَّةٌ مُعقَّدةٌ وصعبةٌ، وغالبًا ما يكون الاختيار مصحوبًا بحالة ضغطٍ، ما يستلزم اعتماد قراراتٍ خاطئةٍ على عجلٍ ما قد يُسفر عن عواقب سلبيَّةٍ. غير أَنَّ الأُمور عندنا، تسير في منحًى آخر، إِذ تغيب لدى كثيرين إِرادة حلِّ المُعضلات، لتحلَّ مكانها المصالح الشَّخصيَّة والكيديَّة السّياسيّة، ومحاولات الاستخفاف بعُقول النَّاس...
ومن الأمثلة على ذلك، ناشدت إِيران، الَّتي تُواجه طفرة جديدة في حالات الإِصابة بـ"فيروس كورونا"، صندوق النَّقد الدَّولي في مُواجهة الرَّفض الأَميركيّ، ومنح البلاد قرضًا بقيمة 5 مليارات دولار.
غير أَنَّ عدم اللُّجوء إِلى صندوق النَّقد الدَّوليِّ عندنا، مردُّه إِلى الكيد السِّياسيِّ، ومُحاولة عرقلة الحُلول لأزمة السُّيولة الَّتي يتخبَّط بها لبنان وتداعيَّاتها على مُختلف المجالات الاقتصاديَّة منها والمعيشيَّة والاجتماعيَّة...