يعيش لبنان مرحلة خطيرة على مختلف الصعد السياسية، الاقتصادية، المالية، النقدية، الاجتماعية والأمنية. واقعٌ بانَ للبنانيين أنّه انفجر بسحر ساحر مع ارتفاع سعر صرف الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية ولكن؛ يعلم اللبنانيون أيضاً، أنّ ذلك ليس إلّا مخطط تخريبي مُحضّر سلفاً وبقي مؤجلاً إلى ساعة الصفر التي تزامنت مع انتفاضة شعبية.
لم تمرّ انتصارات معركة "فجر الجرود" مرورا عادياً في الأجواء الدولية، بعضهم اعتبر نفسه شريكا مع الجيش اللبناني في الحرب على الارهاب والبعض الاخر التزم الصمت. الحقيقة التي وصلت الى العالم واحدة وهي:لا إمارة تكفيرية في الارض اللبنانيّة ولا تخريب وتقسيم سيحلّ على لبنان.
هذه الحقيقة الميدانية يرفض الأعداء المتربصين بلبنان تثبيتها المستدام. مطلوب الاتي :
-حرب باردة اقتصاديّة وماليّة ينتج عنها ازمات خلّاقة تقسيميّة على غرار الفوضى الخلّاقة الميدانية.
-جوع، تهجير، اقتتال داخلي، بطالة، سلاح المقاومة، حرب اهليّة.
-كسر صورة نصر ونفوذ الجيش اللبناني.
في هذه المشهدية الاخيرة بشأن الجيش اللبناني، يشهد لبنان العوامل الاتية التي نتوقف عندها:
أولاً-مجموعات لبنانية وغير لبنانية تستهدف الجيش اللبناني باعتداءات اقلّ ما يقال فيها انها ارهابية، وفق التوصيف القانوني اللبناني والقانون الجنائي الدولي، منها على سبيل المثال لا الحصر :
*الاعتداء على العسكريين بالحجارة والالات الحادة وقنابل المولوتوف، ايّ محاولة قتلهم.
*دخول اطراف مندسّة واطلاق الرصاص باتجاه المتظاهرين والجيش اللبناني لخلق الفتنة.
*تحميل الجيش اللبناني مسؤوليّة اقفال الطرقات من قبل المحتجّين دون الاخذ بعين الاعتبار التكتيك العسكري في التعامل مع المدنيين والاصول الواجب الالتزام بها مع المتظاهرين المدنيين وفق القانون الدولي، والتي ترفض لا بل تحاسب على العنف ضد المدنيين، ما يعني ان فتح الطرقات قد يتطلب في بعض الحالات ليس ساعات بل ايام واسابيع؛ والمسؤولية الاولى تقع على عاتق السياسيين في اقناع المدنيين التخلي عن الشارع.
ثانياً-استهداف سياسي للجيش اللبناني بموضوع المعابر غير الشرعيّة، وتحميله من بعض الجهات والشخصيات الحزبيّة سواء عن علم او جهل او قصد او عبث مسؤولية التهريب من والى سوريا.
الطامة الكبرى تأتي من الجانب الرسمي للدولة، الواقع كما هو :
-خفض الاعتمادات المخصّصة للجيش اللبناني في ظلّ تزايد المهمات الملقاة على عاتقه في الداخل وعلى الحدود.
-خطّة اقتصادية تقفل الباب على التطويع وتخفّض اعتمادات، وتطرح معايير عجيبة للترقيات لا تراعي الخصوصية العسكرية.
-ارتفاع سعر صرف الدولار امام الليرة اللبنانية ما انعكس انخفاضا دراماتيكيا في قيمة الرواتب وانحدار مهيب في الحياة المعيشيّة لدى عوائل العسكريين.
-تأخير مؤذ في صرف اموال التقاعد للعسكريين بعد بلوغهم السنّ.
نحن اللبنانيون لا نفهم لماذا تعامل الدولة اللبنانية ضبّاطها وعسكرييها بتهميش متوارث لم يعد يصلح في زمن الاصلاحات المفروضة على الدولة.
فاذا كانت ايادٍ خارجية تسعى لتخريب المؤسسة العسكريّة، فأقلّ الايمان أن تضع الدولة اللبنانيّة استراتيجيّة نهضويّة اصلاحيّة عسكريّة يكون قوامها مبدأ واحد ببنود تفصيلية وهو:
-تعزيز وصون كرامة العسكري أثناء تولّيه الخدمة وبعدها، فكرامة الوطن وسيادته من كرامة الجيش اللبناني بضباطه وعناصره.
اولى تلك البنود هي: تعديل سن التقاعد.
فاذا كان العسكري المتقاعد لا تصرف اموال تقاعده لسنوات لاسباب تتعلق بالعجز في المالية العامة، و لا يُستفاد من خبراته العسكرية والعلميّة التي اكتسبها عبر اعتماد نظام خاص للاستثمار البشري في هيئات ومؤسسات رسمية سيما بعد بلوغ سن التقاعد، فماذا يُنتظر من المتقاعدين غير الانتفاضة؟.
فاذا كان العجز في الموازنة يفرض خفض اعتماد المؤسّسة العسكرية، واذا كانت المسؤوليات العسكرية تتفاقم وليس هناك من تطويع جديد ولا تمديد لسن التقاعد، فمن اين يأتي الجيش بالعديد المطلوب؟.
وحده وفاء الضباط المتقاعدين لمؤسستهم وللبدلة العسكرية التي يفتخرون بها ولدماء رفاقهم الشهداء وآلام جرحاهم يجعلهم يرفضون ايّ انجرار لمشروع فتنة. ولكن في المسؤولية الوطنية، الدولة وحكومتها وبرلمانها امام واجب يقتضي تنفيذه دون تلكؤ، وهو استراتيجية وطنية عسكرية جديدة تبدأ بتعديل قانون الدفاع الوطني في المواد ٦٧ ،٦٨، ٦٩، ٧٠ و٧١ التي تناولت سن ونظام التقاعد.
ان من حق الضباط والعناصر العيش بكرامة بعد تقاعدهم، فهم ليسوا اعباء وطنية لتصبح حقوقهم التقاعدية "اعباء ماليّة".
ان أسوأ ما يصيب المسار السياسي في أيّ دولة هو الجحود السياسي الذي ينقلب ليصبح استعداء للذات، فكيف اذا اصاب الجحود أناس لهم الفضل الاكبر في انقاذ الوطن؟!.
من هذا المنطلق، من المستغرب الاّ تعمد الحكومات الى طرح مشروع قانون يقضي الى تعديل قانون الدفاع الوطني عبر تمديد سن التقاعد، أقله ليتوافق مع قانون التنظيم الوظيفي في الشقّ المتعلق بسنّ تقاعد الموظفين!.
المستغرب أكثر، ألّا يطرح نواب الامة هذا الاقتراح وهم المؤتمنون على حقوق المواطنين.
واضح أنّ نظاماً ذهنياً سائداً يعمل لاستبعاد العسكريين عن مفهوم حقوق المواطنين وكأنّ احدهم في الخفاء يقول لهم :
"اعملوا ودافعوا وانقذوا واستشهدوا وانجرحوا واذهبوا باكرا الى التقاعد وابقوا دون تعويضات واجلسوا في المنازل،ولا احد بحاجة لخدماتكم وانضووا في تحرّكات واختلفوا، وهكذا تكبر دائرة الخلافات لربما تنقلبون يوما على وطنكم ومؤسساتكم".
ولكن، هذا لن يمرّ. فإذا كانت ثورة هذا الشعب الحقيقيّة هي الدفاع الشعبي عن الوطن، فهذا الشعب لن يقبل بان تُمسّ كرامة جيشه في لقمة عيشه. عدّلوا سن التقاعد ونفّذوا الواجب... والاّ... انتم العاطلون عن العمل.