صحيح أنّ لبنان يُشكّل تفصيلًا صغيرًا وثانويًّا في المُعادلة الإقليميّة بالنسبة إلى الإدارة الأميركيّة، لكنّ الأصحّ أنّ إرتدادات معركة الإنتخابات الأميركيّة المُقبلة على الوضع الداخلي اللبناني ليست مَعدومة، بل أنّها ستكون واضحة نسبيًا، وذلك نتيجة تأثّر لبنان بشكل غير مُباشر بأكثر من ملفّ إقليمي حسّاس، إضافة إلى تأثّره بشكل مُباشر بملفّات تعنيه وتخصّ أوضاعه الداخليّة. فما الذي ينوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يفعله قبل نهاية ولايته؟.
يجهد فريق عمل الرئيس الأميركي على تعويض الخسائر المَعنوية التي مُني بها ترامب داخل الولايات المتحدة الأميركيّة، نتيجة سوء مُواجهة وباء كورونا، وتراجع الإقتصاد وإرتفاع نسب البطالة، وتفجّر المشاكل العنصريّة الطابع، وذلك من خلال تسجيل نقاط لصالحه على مُستوى بعض الملفّات الدَوليّة. وفي هذا السياق، تنوي الإدارة الأميركيّة، وقبل إنتهاء ولاية الرئيس ترامب، القيام بأكثر من خُطوة مُثيرة للجدل، ومنها مثلاً تأمين الضوء الأخضر للإسرائيليّين لضمّ الضفّة الغربيّة. وهكذا قرار لا يُمكن أن يمرّ مُرور الكرام، لأنّه يهدف إلى تغيير وقائع جيوسياسيّة، مع كلّ ما لهذا الأمر من مفاعيل على أيّ تسويات مُحتملة في المُستقبل. ومن المُتوقّع أن تجلب هذه الخُطوة الأميركيّة، إعتراضات فلسطينيّة وعربيّة وإيرانيّة واسعة، وأن تُفجّر الأوضاع عسكريًا بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين.
من جهة أخرى، وإعتبارًا من اليوم الأربعاء 17 حزيران، ستدخل مفاعيل "قانون قيصر" حيّز التطبيق، الأمر الذي سيُؤدّي إلى مزيد من الإنهيارات الإقتصاديّة والماليّة في سوريا، وسيسفر بالتالي عن تأجيل أيّ أمل بالتوصّل إلى تسوية للحرب السُورية في المدى المَنظور. وإذا كان صحيحًا أنّ واشنطن ترمي من خلال هذا القانون تعزيز أوراقها التفاوضيّة في الملفّ السُوري، بمُواجهة روسيا وغيرها، فإنّ الأصحّ أنّ تشعّب إمتدادات الأزمة السُوريّة، وتورّط كلّ من إيران وتركيا وغيرهما بشكل مُباشر في هذه الأزمة، يزيد من التعقيدات التي حالت دون الوُصول إلى حلّ نهائي للأزمة السُوريّة، على الرغم من تراجع حجم وحِدّة العمليّات العسكريّة منذ سنوات عدّة.
ومن بين الخُطوات المُرتقبة لإدارة ترامب، في الفترة الفاصلة عن نهاية ولاية هذا الأخير، المزيد من الضُغوط السياسيّة والإقتصاديّة على إيران، والمزيد من لوائح العُقوبات التي ستطال شخصيّات تدور في الفلك الإيراني، وتلعب أدوارًا مفصليّة في مساعي الإلتفاف على هذه العُقوبات، من لبنان إلى فنزويلا...
والمُشكلة أنّ لبنان الذي ينأى بنفسه نظريًا عن كلّ مشاكل المنطقة، سيتعرّض لموجة من الإرتدادات السلبيّة على مُختلف الصُعد، نتيجة هذه الصراعات الإقليميّة المَفتوحة. فلبنان لن يستطيع التفرّج على ضمّ الضفّة الغربيّة، مع ما يعنيه هذا الأمر من طيّ لأيّ أمل بالعودة، وهو الذي يُعاني مُباشرة من وُجود مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيّين على أرضه. ولبنان لن يتمكّن من التفلّت من إرتدادات "قانون قيصر"، الذي سيُدمّر كليًا الإقتصاد السُوري، وهو الذي يُعاني من مشاكل تهريب البضائع والسلع والدولارات عبر المعابر غير الشرعيّة مع سوريا. ولبنان لن يستطيع عزل نفسه عن العُقوبات الأميركيّة على إيران، باعتبار أنّ هذه العُقوبات تستهدف أيضًا وبشكل مُباشر "حزب الله" وشريحة واسعة من اللبنانيّين. وليس بسرّ أنّه إضافة إلى القُيود على الحركة الماليّة والتحويلات المصرفيّة من لبنان وإليه، وإضافة إلى الضُغوط على الدول الداعمة وعلى صُندوق النقد الدَولي لربط أيّ مُساعدات ماليّة مُستقبليّة بشروط بخلفيّة سياسيّة، وإضافة إلى إستخدام ورقة التجديد لقوّات "اليونيفيل" في بازار المُساومات السياسيّة، يُواجه لبنان حاليًا ضُغوطًا مُتصاعدة في ما خصّ السلاح المُتفلّت خارج إطار الشرعيّة، علمًا أنّ هذا الموضوع هو خارج نطاق البحث بالنسبة إلى "حزب الله"، حتى لو دفع كل اللبنانيّين ثمنًا باهظًا لذلك. والأخطر أنّ المسألة قد لا تقتصر على الضُغوط السياسيّة والإقتصاديّة، حيث بدأنا نشهد جولات من التفلّت الأمني المُتنقّل، ودخلنا في مرحلة من اللاإستقرار على مُختلف المُستويات، في ظلّ إشاعات مُتزايدة عن خضّات أمنيّة تنتظرنا!.
في الخُلاصة، لن تكون الفترة الفاصلة عن موعد الإنتخابات الأميركيّة في الثالث من تشرين الثاني المُقبل سهلة أو هادئة، بل مليئة بالمطبّات وبالألغام السياسيّة والإقتصاديّة وربّما الأمنيّة. وما يَنوي الرئيس الأميركي القيام به في المنطقة ككل، وفي لبنان ضُمنًا، ليس بالقليل. والسؤال الذي يفرض نفسه بالتالي هو: هل يستطيع لبنان تجنّب هذه المطبّات، والسير بينهذه الألغام المُتداخلة، وهو المُنخرط بغير إرادته بكلّ هذه الملفّات الإقليميّة الشائكة؟.
ناجي س. البستاني