يطغى الحديث عن سعر صرف الدولار مقابل الليرة على يوميات اللبنانيين، حتى بات هو الخبر الأول نظراً إلى التداعيات التي يتركها على مختلف جوانب حياتهم، لا سيما من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية، والشغل الشاغل لمختلف المسؤولين الذين يبحثون في أي وسيلة عن كيفية ضبطه.
في الاسبوع الماضي، تم الإتفاق على صيغة يتولى من خلالها المصرف المركزي ضخ كمية من الدولارات في السوق، بالتعاون مع نقابة الصيارفة، بهدف السعي إلى خفض السعر إلى حدود 3200 ليرة مقابل الدولار الواحد في الأيام المقبلة، لكن ضمن هذه الصيغة هناك على ما يبدو ثغرة يعمل بعض المواطنين على إستغلالها لتحقيق "مكاسب" آنية، غير آبهين بالتداعيات التي تتركها.
عندما تقع أي دولة في أزمة، كتلك التي يمر بها لبنان اليوم، الحس الوطني من المفترض أن يدفع بمواطنيها إلى البحث عن أي وسيلة لدعم عملتهم، وهو ما حصل في تركيا، على سبيل المثال، قبل أشهر، عندما واجه الأتراك الضغط على عملتهم ببيع ما في حوزتهم من دولارات، لكن في لبنان يصطفّ البعض ضمن طوابير طويلة، منذ ساعات الصباح الأولى، لشراء 200 دولار أميركي من أحد الصيارفة الشرعيين، ثم الذهاب إلى بيعها في السوق السوداء، وبالتالي جني ربح ناتج عن الفرق في السعر.
في هذا الأمر مخالفة قانونية، نظراً إلى أن السلطات الرسمية تعمل على ضبط الصيرفة غير الشرعية، لكن الأهم هو طعنة في الجهود التي تبذل بهدف ضبط سعر صرف الدولار، وتصرفاً لا ينمّ عن أيّ حس بالمسؤولية الوطنية، مع العلم أن فشل هذه الجهود سينعكس على جميع المواطنين، لا سيما على مستوى إرتفاع أسعار السلع الأساسية، فالمصرف المركزي ليس هو الجهة التي تطبع الدولارات، وبالتالي هو لديه كمية محدودة في حال لم تدخل دولارات جديدة إلى البلاد.
في هذا السياق، يؤكد نائب نقيب الصيارفة في لبنان محمود حلاوي، في حديث لـ"النشرة"، أن حصول المواطن العادي على حاجته من الدولار هو حق له كما هو حق الشركات الكبرى، وبالتالي لا يمكن حرمان الانسان المتضرر من الأزمة من هذا الحق، حتى ولو كان هناك من يذهب لبيع ما يحصل عليه في السوق السوداء للإستفادة من فرق الأسعار، ويشير إلى أن الصيارفة يحاولون أن يسألوا المواطنين عن سبب حاجاتهم إلى الدولار، إلا أنه يشدد على أن هذه العمليات تتم بموافقة المصرف المركزي والجهات المعنية.
من وجهة نظر حلاوي، موضوع السوق السوداء يحتاج إلى إجراءات أخرى، نظراً إلى أنها لا تعيش على 200 دولار التي يحصل عليها المواطن بل لديها مصادر أخرى مجهولة، مع العلم أن تعميم البيع في السوق السوداء على جميع المواطنين غير صحيح، ويلفت إلى أن الأجهزة الأمنية تعهدت بالعمل على كشفها، وبالتالي هو يراهن على هذه الإجراءات لمكافحتها، ويشير إلى أنه لا يعتقد أن هناك مواطناً لديه قدرات مالية مستعد للوقوف ساعات أمام محلات الصيرفة من أجل كسب 50 أو 100 ألف ليرة.
على الرغم من ذلك، يوجّه حلاوي رسالة إلى المواطنين القادرين على العيش من دون الحاجة إلى الدولار، يدعوهم فيها إلى الإبتعاد عن هذا السلوك، كي لا يؤدي إستهلاك العملة الصعبة في مكانها غير الطبيعي، خصوصاً أنه يساهم، بشكل أو بآخر، بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي هو سيعود إلى دفع الثمن، مع جميع المواطنين، لاحقاً.
من جانبه، يشير الخبير المالي والإقتصادي وليد أبو سليمان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أحداً لا يستطيع أن يتوقع الكمية التي تذهب إلى السوق السوداء من جراء هذا الفعل، لكنه يلفت إلى وجود طلب شهري على الدولار يبلغ نحو 600، في المقابل هناك تعهداً بتأمين 150 مليون، وبالتالي الفجوة بين العرض والطلب 450 مليون دولار، الأمر الذي سيبقي السوق السوداء ناشطة.
على الرغم من ذلك، يرى أبو سليمان أن سلوك المواطن لا ينفصل عن سلوك الطبقة السياسية، حيث لم يتم حتى الساعة الكشف عن الجهات التي حولت أموالاً إلى الخارج، إلا أنه يلفت إلى أن هذا السلوك موجود بسبب غياب مفهوم المواطنة، وبالتالي نحن في مواجهة عدو غير ظاهر اذ ان هناك من يقف إلى جانب هذا العدو.
في المحصّلة، تأثير هذا الإجراء قد لا يكون بالحجم الكبير على مستوى سعر صرف الدولار في السوق المحلي، لكن هو مؤشر على كيفية تعامل البعض مع هذه الأزمة التي تمس جميع المواطنين دون إستثناء، وبالتالي دعوة لكل من يسعى إلى الإستفادة من هذا الربح إلى التفكير في التداعيات الناجمة عن ذلك.