أعتبر رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع، في حديث لصحيفة "القبس" الكويتية، انه "في الايام الماضية حملت مجموعة أحداث متضاربة الاتجاهات أحيانا، لذا اختلطت الامور على بعض الناس، وتتفاوتت تفسيراتها، وبدأ ذلك في 6 حزيران مع طرح مجموعة من المحتجين تطبيق القرار 1559 شعارا لاحتجاجاتهم، وهذا ما أدى الى اقتحام مجموعة من مؤيدي حزب الله وسط بيروت، فخرّبوا التظاهرة وحولوها الى فوضى عارمة"، موضحاً ان "استفزاز هذه المجموعة الشارع السني من خلال شتم رموز اسلامية، واستفزازها المسيحيين عبر محاولة الدخول الى عين الرمانة، خلق توترا كبيرا اربك قيادة حزب الله الذي قرر تصحيح هذا الخطأ. ويوم الخميس الفائت، مع تدهور سعر صرف الليرة الى مستوى قياسي، نزل هؤلاء المناصرون لحزب الله أنفسهم الى الشارع للوقوف مع المحتجين بشكل ودي هذه المرة، وبشعارات متقاربة، وما حصل من احراق وتحطيم للمتلكات في وسط بيروت لا علاقة بما سبقه، فتقييمي الشخصي وبخلاف ما يرى كثيرون ان هذه التحركات عفوية تلقائية، واندفع الناس الى الشارع لأنهم أصبحوا مهددين في أوضاعهم المعيشية المباشرة، ووقد تسعى بعض القوى لتحقيق المكاسب على "ظهر" الناس ولكن هذا لا ينفي أن جوهر هذه الهبّة الشعبية معيشي واقتصادي".
ولفت جعجع الى ان "الحكومة "تخبص خارج الصحن" أي تتصرف بعشوائية، وسبب تدهور الليرة ليس المضاربة، بل عدم التوازن الهائل في مالية الدولة، والذي يستوجب خطوات اصلاحية كبيرة لتفاديها، ولكن الحكومة ذهبت الى معالجة الجزء الذي يتسبب بالكاد بـ10 في المئة من الأزمة، فيما جوهر الموضوع الاصلاحات على المستويات كافة، ولا شيء غيرها، وقبل الاتكال على المساعدات التي قد تأتي وقد لا تأتي، يمكننا الاتكال على مقدراتنا الذاتية، فهناك مجموعة خطوات كفيلة بتأمين ملايين الدولارات للخزينة، أذكر بعضها في القطاع العام 5 آلاف موظف غير قانوني تم توظيفهم بعد سلسلة الرتب والرواتب، وقبلهم 30 الفا لا يستوفون الشروط المطلوبة، فالمطلوب تخفيض حجم القطاع العام في لبنان، والمعابر غير الشرعية وحدها تكبد الدولة خسائر بين 500 مليون ومليار دولار، ونحتاج فقط الى قرار سياسي لتتوقف هذه الخسائر في اسبوع، فهل سيعطينا صندوق النقد اكثر من مليار دولار في السنة؟، موضحاً ان "اقفال المعابر غير الشرعية وحده كفيل بتوفيرها، وملف الكهرباء يكلف الخزينة ملياري دولار سنويا، لذا كنا نأمل اصلاح القطاع، فإذا بالحكومة تعود الى اقرار معمل سلعاتا".
وعن قانون قيصر شدد جعجع على انه "قبل انقاذ غيرنا يجب ان ننقذ انفسنا، وحزب الله يعرف الله ان حاضنته تنوء تحت أثقال الازمة المعيشية كغيرها من اللبنانيين، وان اكبر انقلاب يُقاد ضد الحكومة يقوم به الفريق الذي يقف وراءها، فلن ينقذ الحكومة سوى اجراءات اصلاحية يحبطها هذا الفريق نفسه، وآخر الامثلة مسألة التشكيلات القضائية المعلقة والتعيينات التي أقرتها الحكومة وفق منطق المحاصصة"، كاشفاً عن "تشائمه في ما يتعلّق بتطور الأوضاع في المرحلة الحالية، لكن لا شيء يغير النموذج اللبناني لأن موته يعني موت الكيان، فصحيح ان قطاعات معروفة تضعف أو تقفل، ولكنها مرحلة مؤقتة وستعاود نهوضها، ولسنا قلقين على النموذج اللبناني، بل على الأوضاع التي ستترك تداعياتها على اللبنانيين في انتظار وصولنا الى بر الامان،
واكد جعجع "ضرورة تحقيق الاصلاحات وادارة الدولة بشكل جيد، وبما أن السلطة الحالية لن تقدم على هذه الاصلاحات، فلا أمل الا بإزاحتها مع ضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة واي تغيير حكومي هو مضيعة للوقت طالما ان الفريق الذي يقف وراءها لا يزال هو نفسه، فالتغيير يجب ان يطال من يقف وراء هذه الحكومة، وحكومة الوحدة الوطنية أسوأ انواع الحكومات لأنها تجمع ما لا يجتمع، والحكومة جهاز تنفيذي يفترض دينامية واستجابة للازمات، لا سيما في هذه المرحلة، وبيت القصيد تغيير المجموعة الحاكمة، والا فإن كل أنواع الحكومات لن تؤدي الى تغيير الأوضاع.
وعن اتفاق معراب مع رئيس الجمهورية ميشال عون وضرره على القوات اللبنانية أوضح جعجع انه "للوهلة الاولى قد يكون هذا الانطباع صحيحا، لكنني لم المس هذا الامر في الممارسة"، متسائلاً "ما الخيارات التي كانت متاحة امامنا آنذاك؟ التسوية او استمرار الفراغ في موقع الرئاسة، وحينها، كان تقديرنا وقد يكون خاطئا - ان انتخاب عون أفضل من الفراغ، وربما قد يكون خاطئاً، ففي مثل هذه المسائل يصعب قياس الأمور بدقة، وأشدد على أننا كنا أمام خيارين لا غير"، معلناً انه "لا شك ان حزب الله في أساس الأزمة الراهنة، ولكن لا نخلط الأمور ببعضها، فمنذ اندلاع الانتفاضة في 17 تشرين وحتى الأمس كان حزب الله يخطط لاجهاضها، ومرات عدة كشف عن أنيابه واعتدى على المتظاهرين ما جعل هذه الاحتجاجات الشعبية جامعة على امتداد لبنان هو شعاراتها التي يجمع عليها كل المواطنين بما يتعلّق بالفساد وادارة الدولة، وهذا أمر مهم لتبقى شاملة وتؤدي مبتغاها، أما طرح نزع سلاح حزب الله اليوم، فيؤدي أكبر خدمة لهذا السلاح لأنه يشتت الناس، شئنا أم أبينا وهذا ما حصل بالفعل وطرح الأمور عشوائيا وفي أي وقت قد يرتد عكسيا علينا، وبالتالي حزب القوات اللبنانية ليس ضد نزع السلاح، لأننا اكثر من طالب بنزع سلاحه منذ 15 سنة، وانما نحن مع طرحه في التوقيت وفي المكان المناسبين، ومن خلال الحركة السياسية، لانه جزء أساسي من مشكلة لبنان".
وأكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" انه "صحيح أن بعض المسيحيين يعتبرون إقالة الرئيس من المحرمات، انطلاقا من مخاوف او حساسية تاريخية، وبالنسبة الينا، نحن لم نطالب بإسقاطه ولم نعارضه ولكن على غرار التغيير الحكومي، نسأل: من سيكون البديل؟ واذا تغيّر الرئيس اليوم فهل سيتحسّن الوضع؟ المشكلة هي في المجموعة الحاكمة، أي فريق الوزير جبران باسيل وفريق "حزب الله"، واستقالة او إقالة الرئيس وحده اليوم تعنيان الاتيان بآخر شبيه له"، مؤكداً ان "القطيعة التي تسبّب فيها "حزب الله" بين لبنان والدول العربية ساهمت في الأزمة اللبنانية، فالدول العربية اعتادت في مثل هذه الاوقات المأزومة ان تبادر الى مساعدة لبنان بالودائع او بالاستثمارات، ولكن سلوك "حزب الله" تجاه الاصدقاء العرب تسبب في قطع هذا الشريان الحيوي، والاهم من تخريب "حزب الله" علاقة لبنان بالدول العربية، هو تخريبه اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية، وليمسك "حزب الله" بالساحة الداخلية، فتحالف مع أفسد الفاسدين وسكت عنهم، وواكبهم، لأنه من دون حلفائه يصبح أقلية، وهم امّنوا مصالحهم معه، وهو أمن اكثرية بهم وهذا التحالف نخر الدولة وأساء اليها اكثر من انقطاع المساعدات الخارجية عن لبنان، وفي المعادلة الداخلية اليوم لا أحد يستطيع من القوى اللبنانية ان يؤمن علاقة ايجابية بين لبنان ومحيطه العربي، وبالطبع يوجد بعض القوى، ونحن منهم، لديهم افضل العلاقات مع الدول العربية والغربية، ولكن لا تفيد بشيء، طالما ان المعادلة الداخلية تخرب العلاقة وقد رأينا أن الدولة لم تعلن أي موقف من قضايا تمس الاصدقاء العرب".
وشدد جعجع على انه "هناك تراجع أكيد للدور الايراني في المنطقة، فكيف نفسّر مثلا تعيين الرئيس الروسي مندوبا دائما له في سوريا؟ وكل المؤشرات تقول انه يلعب دور رئيس الظل، كما كان بول برايمر في العراق، وفي العراق انتقلت الحكومة من نموذج نوري المالكي الأشد تعصبا لايران الى مصطفى الكاظمي الذي يقيس العلاقة مع ايران بـ"الشوكة والسكين" اضافة الى ما رأيناه يحدث خلال الأشهر الأخيرة وهو قيام اسرائيل بالاتفاق مع الاميركيين من جهة، والروس من جهة اخرى، بغارات على مواقع ومستودعات اسلحة ايرانية في سوريا من دون اي رد فعل من الجانب الايراني، ويجب على الحكومة أن تضع في أولوياتها مصلحة الشعب اللبناني، ولتتكفل سوريا بحل مشاكلها، فلبنان اليوم لا يتحمّل مغامرات لمصلحة القوى الخارجية، واهم ما يجب ان تقوم به الحكومة، طالما هي تحاول ضبط سعر صرف الليرة، هو توقيف حركة تهريب الدولارات الى سوريا، لأنها مرشحة للتنامي في ظل قانون قيصر، وكذلك على الحكومة منع عمليات التهريب كلها عبر الحدود.
وختم جعجع مؤكداً ان "علاقة "القوات اللبنانية" مع كل الافرقاء جيدة على المستوى السياسي باستثناء حزب الله ومجموعة الوزير جبران باسيل، والأسباب معروفة، وهناك مداولات يومية مع سائر القوى في ملفات نتفق عليها أو نختلف، أما في ما يتعلق بالتحالف فهو يحتاج الى برنامج عمل كامل مع الفريق الآخر، وهو غير متوافر حالياً".