أكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنه "لا يستطيع أحدٌ ان يُحسِن القيام بوظيفته والاضطلاع بمسؤوليَّاته من دون العودة اليوميَّة إلى الله بالصَّلاة. فهي حوارٌ وجدانيٌّ مع الله من القلب إلى القلب. بها يتنقَّى العقل من كلِّ انحرافٍ إلى الكذب والازدواجيَّة، ويستنير بنور الحقيقة المطلقة الآتية من الله. وبها يتنقَّى القلب من كلِّ حقدٍ وضغينةٍ وبغض، ويمتلئ محبَّةً ومسامحةً وغفرانًا؛ وبها تتنقَّى الذَّات من كلّ انانيَّة وكبرياء وانحراف، وتمتلئ نعمةً تُزيِّن داخل الإنسان بالحياة الإلهيَّة. فتنعكس هذه كلُّها في الأعمال والأقوال والمواقف والأداء".
ولفت الراعي في عظته الى انه "من أجل هذه الغاية، التزمنا الصَّلاة العامَّة في الكرسيّ البطريركيّ في مساء كلِّ يوم منذ بداية الانتفاضة المدنيَّة المعروفة بثورة تشرين الأوَّل 2019. وهي صلاةٌ يشاركنا فيها عشرات الألوف من المؤمنين والمؤمنات في لبنان والخارج، عبر محطَّة تيلي لوميار – نورسات والفايسبوك، وكم نرغب في أن يُصلِّي المسؤولون السِّياسيُّون عندنا كي يواجهوا معًا بروح الوحدة الوطنيَّة معاناة لبنان الاقتصاديَّة والماليَّة والمعيشيَّة التي بلغت درجةً من الخطورة تهدّد الهويَّة والكيان. بالصَّلاة يتعالون على الجراح السياسيَّة، ويوحِّدون قواهم لحماية الوطن وشعبه".
وتابع الراعي :"أن يدعو فخامة رئيس الجمهوريَّة إلى لقاءٍ وطنيّ، موجَّه إلى مراجع سياسيَّة مسؤولة، في الظَّرف الخطير الذي يمرُّ به لبنان، فواجبٌ وطنيّ يمليه عليه ضميره كرئيس للبلاد، وقَسَمُ اليمين على حفظ الدستور وحماية وحدة الشَّعب والصَّالح العامّ. والدَّعوة مشرِّفةٌ لمن توجَّه إليه. أمَّا أن تعقَد في الموعد المحدَّد – الخامس والعشرين من حزيران الجاري- أو أن تُرجأ لفترةٍ إعداديَّة ضروريَّة، فيبقى الأساس فيها الذَّهاب إلى جوهر المشكلة وطرح الحلّ الحقيقيّ بعيدًا عن الحياء والتَّسويات والمساومات، وإلى إصدار وثيقةٍ وطنيَّةٍ تكون بمستوى الأحداث الخطيرة الرَّاهنة"، مضيفا :"وثيقةٌ ترسُمُ خريطة طريقٍ ثابتة تتضمَّن موقفًا موحَّدًا من القضايا التي أدَّت إلى الإنهيار السِّياسيّ والماليّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وإلى الانكشاف الأمنيّ والعسكريّ، وثيقةٌ تُصوِّب الخيارات والمسار، وتُرشِد الحوكمة، وتُطلِق الاصلاحات، وتُعيد لبنان إلى مكانه ومكانته، فيتصالح مع محيطه العربيّ ويستعيد ثقة العالم به".
واعتبر الراعي أنه "مِن أجل ضمانة حصول المشاركة في هذا اللِّقاء الوطنيّ ونجاحه، ينبغي المجيء إليه بهدف تأكيد وحدة لبنان وحياده، وتحقيق اللَّامركزيَّة الموسَّعة، وصيانة مرجعيَّة الدَّولة الشَّرعيَّة بجميع مؤسَّساتها، وبخاصَّة تلك الأمنيَّة والعسكريَّة، والإقرار الفعليّ بسلطة الدَّولة دون سواها على جميع الأراضي اللُّبنانيَّة، والالتزام بجميع قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة، وبمكافحة الفساد في كلّ مساحاته وأوكاره، وحماية استقلاليَّة القضاء وتحرُّره من أيّ تدخُّلٍ أو نفوذٍ سياسيٍّ أو حزبيّ".
وختم الراعي بالقول :"أيُّها المسؤولون السِّياسيُّون، إنَّ شابَّات لبنان وشبَّانه المنتشرين في الشَّوارع والسَّاحات، يريدون من لقاء بعبدا جوابًا على حاجاتهم وقلقهم ومخاوفهم ومصير مستقبلهم ووطنهم. فلا تُخيِّبوا آمالهم. فَهُم يشكِّلون لكم ولكلِّ أصحاب الإرادات السِّياسيَّة والوطنيَّة الحسنة خير منطلق ودافع لما ستطالبون به في لقائكم التَّاريخيّ. وإن كان ثمَّة مِن بصيص أملٍ عند شعبنا الجائع والفقير والعاطل عن العمل، فلا تُطفئوه. ونحن من جهتنا نصلِّي من أجلكم كي ينير الله مساعيكم لخير وطننا وشبابنا وشعبنا. ومعًا نستحقّ أن نرفع صلاة الشُّكر والتَّسبيح للآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".