رأت وزيرة العدل ماري كلود نجم أن خيارها عدم الانتساب الى أيّ من الاحزاب اللبنانية "مَنعَ هؤلاء من الدفاع عنها أمام حملات التشهير التي طالتها شخصياً إثر مجريات ملف التشكيلات القضائية"، مؤكدةً انّ "الملاحظات الخاصة به التي دَوّنتها مُشابهة الى حد كبير لملاحظاتها على آلية إتمام التعيينات، وانّ الاثنين يجمعهما تخصيص المراكز للطوائف والمذاهب الذي كانت غير قادرة على كسره".
ولفتت نجم في حديث لصحيفة "الجمهورية" الى أنها "لن تجد من يدافع عنها أمام التشويه السياسي والاعلامي الذي تعرّضت له وما زالت، قررت أخذ المهمة على عاتقها من خلال إلقائها الضوء بشفافية على الملفات التي عملت وما زالت تعمل عليها"، معتبرة أن "ملف استقلالية السلطة القضائية من أبرزها، وهو الذي قد يدفعها الى الاستقالة اذا لم يتم إقراره في مجلس النواب".
ووصفت نجم ملف التشكيلات القضائية بالمعركة، قائلة: "التشكيلات هي حرقة في نفسي وكان حلمي خوضها مع الرئيس عبود ونقابة المحامين في وجه النظام"، كاشفة أنّها حين سألته لماذا لا نكرّس هذه الممارسة أجاب: "معك حق إنّما لا نستطيع كسرها اليوم"، فأجبته: "اذا لم نفعلها اليوم فلن نفعلها لاحقاً، والتوقيت الأنسب لكي نقدم عليها هو اليوم أكثر من أي يوم مضى".
وأضافت: "عندما أصرّ المجلس على التشكيلات اعتبرتها فشلاً شخصياً في ملف كنتُ أحلم بالذهاب فيه الى مكان أفضل... لكنني قلت في نفسي إنه ملف واحد من ملفات كثيرة أهم... غير أنني أؤكد أنّ الملاحظات التي وضعتها على التشكيلات في عهد الرئيس عون كنتُ سأعيد وَضعها مهما كان اسم رئيس جمهورية لبنان".
وأشارت الى أن "التشكيلات تبقى تشكيلات وليست تعيينات، اي اننا ننقل القاضي من مكان الى آخر. ومن المؤكد انني لست في وارد انتقاد القضاة المشكّلين، خاصة انّ مشروع التشكيلات يتضمن العديد من الايجابيات، ولكنني أتكلم عن النظام الذي يفرض تخصيص المراكز طائفياً ومذهبياً ويؤثر على اختيارنا للقاضي الكفوء حتى داخل الطائفة الواحدة. فمجلس القضاء، برأيها، مارسَ دوره وطَبّق القانون وهو أدرى بمَن عليه ملفات ومن هو القاضي النزيه، وواجبي تطبيق صلاحياتي القانونية وهذا ما فعلته عندما كتبتُ ملاحظاتي. لكنّ الموضوع أعمق من التشكيلات القضائيّة".
أمّا عن قانون استقلالية القضاء، فأوضحت أنه "مشروع كامل تَتمّ مناقشته في لجنة فرعية يترأسها النائب جورج عدوان تُشارك فيها باستمرار مع فريق من وزارة العدل، وبرأيها المناقشات فعّالة وجيدة الّا انّ وجهات النظر مختلفة فيه. أمّا في ما يخصّها فقد قطعت تعهّداً على نفسها بإيصاله الى الإقرار وتَخطّي المعايير السياسية او التقليدية التي تمنع إقراره. وتعمل ليكون متمكّناً لمنع الطعن به، خصوصاً أنها أصبحت مقتنعة انّ هناك جهات لا تريد إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية".
وسألت نجم: "لماذا تعيين النائب العام الماروني في جبل لبنان والسنّي في الشمال والشيعي في الجنوب؟ أولَيس هذا التقسيم محاصصة طائفية لفرض نفوذ معين؟ ألا يسهل الامر عندما يكون على القاضي ان يحكم في بيئة لا يكون فيها مُحرجاً وتصعّب مهمته؟ أليس الهدف أن نحسّن عمل القاضي في منظومة معينة وليس تصعيب مهمته اذا اردناه ان يحكم بالعدل؟ أما القول لوزيرة العدل سنمنحك الثقة عندما تأمرين بإيقاف الاشخاص، فأقول انه لا صلاحية لي للتوقيف، ولا يمكنني كذلك التدخّل مع القاضي بل يمكننا الطلب من النائب العام التمييزي إجراء التعقبات، وهذا ما فعلت في العديد من الملفات، ومنها ملف التهريب على الحدود وملف الكسارات وآخرها اعمال الشغب في بيروت وطرابلس".
وفي السياق، كشفت انها تتابع تفاصيل التعقبات للمتورطين في أحداث بيروت وطرابلس، و"انها أوصَلَت للرئيس عون عدم تأييدها للتحقيقات أو التوقيفات على خلفيّة نَشر "بوستات" تتعرّض لمقام الرئيس، لأنّ الأولوية برأيها اليوم ليست هناك، ولأنها مع مبدأ تطبيق الحرية حتى النهاية... فلا يمكننا تعقّب آلاف الاشخاص او التحقيق معهم في عصر التكنولوجيا السريعة، وبالتالي لا احد يستطيع حدّها"، مؤكدة أنّ "هناك قوانين في كل بلدان العالم يجب احترامها، فإهانة رئيس الجمهورية أو تحقيره والشتائم المُبتذلة أمر لا يشرّف الثورة بل ايضاً لا يخدمها ويضرّ بها"، متسائلة "كيف يمكن للثوار الذين يطالبون بدولة عصرية محترمة وبالتغيير، اعتماد لغة التحقير والشتائم الجندرية والهوموفوبية؟، ويطالبون في الوقت نفسه بالاصلاح وبالدولة العادلة والمدنية وبالمساواة؟".
وتابعت: "لو كنت أطبّق رغبات الرئيس عون لكنتُ طلبتُ هذا الامر من مجلس القضاء الاعلى أثناء اجتماعاتي الدورية مع الرئيس عبود قبل اصدار التشكيلات، إلا انني لم أفعل، علماً أنه كان يمكن لمجلس القضاء الأعلى القبول او الرفض وهذا موضوع آخر، الا انه في أي حال لم أطلب، ولو أردتُ فعلاً إبقاء التشكيلات في الجارور كان يمكنني حفظها للدرس لمدة شهرين واكثر، وهذا أمر مُجاز لي في القانون، إلّا أنني اخترتُ إرسال ملاحظاتي خلال 4 ايام ولاحقاً أرسلتها الى رئيس الجمهورية والحكومة، وقلت لهم انني بالرغم من هذه الملاحظات سأوقّع وسأحيل، ووقعتُ المرسوم فوراً في اليوم الثاني".
امّا بالنسبة لموقف رئيس الجمهورية، فقالت: "أنا لست وصيّة على موقف رئيس الجمهورية، وليُسأل عن موقفه. وبصراحة اكثر اقول انّني علمتُ بملاحظات الرئيس بواسطة إحدى المواقع الاعلامية، وحتى اللحظة لم أحصل على نسخة ورقية عنها".
من جهت أخرى، بينت أنه "عندما بدأت المظاهرات في 17 تشرين الأول شاركتُ يوميّاً، مثل جميع اللبنانيين، مع اساتذة الجامعة اليسوعية وطلابها في نشاطات خيمة في ساحة الشهداء، وناقشنا بالعمق المشاكل التي نعانيها في لبنان من حيث النظام وغيره، كاشِفة انها قبل جلسة الثقة بيوم واحد تناولت العشاء مع اثنين من اصدقائها الثوار اللذين نزلا الى الشارع في اليوم الثاني ليمنعا الثقة عن الحكومة"، مضيفة "أيّدت نزولهما الى الشارع وكانت ربما معهما في الشارع لو لم تكن وزيرة للعدل، إنما للضغط على الحكومة في اتجاه الإصلاحات وليس لحجب الثقة"، متسائلة "ما هو البديل في الوضع الراهن؟ لأنّ الحكومة لو سقطت لكنّا اليوم بحالة "اللاشيء" وحكومة تصريف اعمال. امّا الجديد في الثورة فهم المندسّون الذين ركبوا الثورة لأجندات خاصة بهم، ولا علاقة لهؤلاء بأجندة ثوار 17 تشرين التي هي مطالب محقة".
ورأت أن "النيابات العامة هي الأساس لأنها تُعنى بمكافحة الفساد"، وسألت المواطنين بشكل عام: "هل أنتم راضون على أداء النيابات العامة بشكل عام في لبنان؟ من المؤكد لا، لذلك كانت فكرتي إحداث صدمة ايجابية بتغيير كافة النيابات العامة من دون استثناء والإتيان بأشخاص لم يتولّوا تلك المراكز على فترات طويلة ويتميّزون بالكفاءة والحياد، من دون طرح أسماء. وأعتقد انّه لو طُبّقت هذه الفكرة لكانت ستشكّل الصدمة الايجابية عند الرأي العام".
اضافت: "قرأتُ في وسائل الإعلام انني قد طالبت بأسماء او عدّلت بالاسماء وهذا الأمر لم أفعله مطلقاً لأنني احترم القانون واستقلالية المجلس، واحترم عمل مجلس القضاء، وإعداد المشروع هو عمله وليس واجبي"، مشيرة الى انّ مشكلتها ليست شخصية مع اي احد منهم، وانها تَجد أنّ العلاقة لم تؤثر على سَير العمل القضائي الذي يجمعنا، والدليل اننا نتعاون في كافة الملفات مثل موضوع الاستجواب عن بُعد الذي نجحنا فيه الى حد كبير، كذلك آلية طلبات إخلاء السبيل فأثبتنا أننا قادرون على العمل بطريقة مؤسساتية.
في سياق آخر، أشارت نجم الى أن "قانون إنشاء هيئة المفقودين والمخفيين قسراً صدر عام 2018، وأعدّ مرسومه وزير العدل السابق في 22 تموز 2019 وتحوّل الى الامانة العامة لمجلس الوزراء. ويُسأَل الحريري لماذا لم يُقرّه؟ أما بالنسبة لها فقد اطّلعت على الملفات العالقة عند استلامها، وأعدّت مشروع مرسوم جديد بعد اجتماعها مع لجنة اهالي المفقودين والمخفيين قسراً وأرسلت المرسوم في 22 أيار ووُضِع على جدول الاعمال وأقرّ الاسبوع الماضي".
وعمّا اذا كانت لقانون قيصر تداعيات تساعد في تحريك الملف؟ تقول نجم انّ "هذا القانون لا يمكن قراءته إلّا من خلال الضغط السياسي الذي يُمارس في المنطقة، امّا في موضوع المخفيين قسراً فهو مأساة لبنانية ونأمل تحقيق تقدّم في تفعيل دور هذه الهيئة بعد إقرار المشروع وتعزيز إمكانياتها، وهدفنا الاستفادة من اي فرصة لمعرفة مصير هؤلاء المفقودين فبالنسبة إلينا إنّ أيّ أمر يحقق لنا التقدّم في هذا الملف هو أمر جيد بالنسبة للهيئة وللبنان وللعدالة، لأننا لا نريده ان يبقى حبراً على ورق كي يرتاح أولياء هؤلاء المفقودين".
وأوضحت نجم "أنوي التواصل مع جميع الاحزاب ومن ضمنها الأحزاب المعارضة، وتأخّرتُ لأنّ كورونا مَنعتني خصوصاً انّ هناك ملفات تجمعنا ونظرتنا اليها تصبّ في الاتجاه نفسه، ولذلك من المفيد والضروري التواصل معهم والتعاون، وأنا مستعدة للتعاون مع الجميع.