كثيرة هي الدراسات العالمية العلمية التي تتحدث عن التوتر وتأثيراته على الإنسان، وتتفق جميعها على أن التوتر والمزاج السيئ يتركان آثارا سلبية أبرزها واخطرها "تقصير" عمر الإنسان. من هنا يمكن القول أن التوتر الذي يعيشه الشعب اللبناني يوميا سيقصّر عمره، فمع كل إشراقة شمس، تنهال على رأسه الأخبار المخيفة. آخرها كان احتمال وصول سعر صفيحة البنزين الى حدود الـ50 ألف ليرة تقريبا.
"لا تصل الأخبار الى مسامع الناس بحالتها الأصلية"، تشير مصادر وزارة الإقتصاد عبر "النشرة"، مشيرة الى أن الحملة التي أطلقت بوجه وزير الإقتصاد قائمة على فكرة "رفع الدعم" عن المحروقات والخبز، بينما الحقيقة هي وجود خطة لتوجيه الدعم لمن هم بحاجة اليه لعدم هدر أموال خزينة الدولة وهذا الطرح ليس لخفض الدعم عن اللبنانيين، بل لوقف كل مزاريب التهريب والهدر من احتياطنا بالدولار".
تشير المصادر الى أن سياسة الاختباء خلف "الإصبع" لم تعد تنفع، اذ لا يمكن للدولة الاستمرار بدعم المحروقات كما تفعل اليوم، الأمر الذي لا يساهم بدعم الفقير بقدر ما يساهم بدعم الغني، القادر على شراء سيارة وسيارتين، واكثر، وبالتالي من يستهلك أكثر يستفيد من الدعم اكثر، كما يساهم بزيادة عمليات التهريب الى سوريا، بالنسبة الى مادة المازوت، بسبب انخفاض سعرها في لبنان، كاشفة أن هذا الأمر جعل كميات التهريب تصل الى 8 ملايين ليتر هذا العام، بينما العام الماضي بنفس الفترة كانت الكمية لا تتجاوز 2 مليون ليتر.
ترى المصادر أنه قد آن الأوان لإعادة النظر في طريقة عمل شبكة الحماية الاجتماعية الموجودة في لبنان وتعديلها بحيث يستفيد منها الأكثر حاجة، والطرح يقضي بوقف الدعم واستبداله ببونات توزّع للفقراء وذوي الدخل المحدود وسائقي المواصلات العمومية والمزارعين والصناعيين، على ان تستند الاسعار في محطات الوقود الى سعر السوق بالدولار كما يحدّده المصرف المركزي، الأمر الذي يؤدي الى توفير بالدولارات الخارجة من لبنان، وتخفيض الاستهلاك أيضا.
في اقتراح وزارة الاقتصاد تفاصيل كاملة حول كيفية رفع الدعم، وكيفية توزيع القسائم وهوية المستفيدين منها، ولكن هل يمكن فعلا تحقيق هذا الامر؟.
يشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين الى أن الدولة اللبنانية تدعم صفيحة البنزين بمبلغ 5500 ليرة لبنانية، بينما تدعم صفيحة المازوت، بمبلغ خيالي وهو 17 ألف ليرة لبنانية، وفي التفاصيل يتحدث شمس الدين عن "أن سعر صفيحة المازوت اليوم هو 7 دولار تقريبا، أي 10500 على أساس سعر الصرف 1500 ليرة، مع العلم أن الدولة لا تفرض ضريبة على هذه المادة، بينما فرق العملة بحال احتسابنا الدولار على سعر 4 آلاف ليرة، يعني أن سعر الصفيحة 28 ألف ليرة، وتُباع بالسوق بـ11 ألف ليرة".
بالنسبة الى البنزين، فسعر الصفيحة اليوم بحدود 6.8 دولار، وتفرض الدولة ضريبة بحدود 10500 ليرة عليها، ويُضاف إليها 1900 ليرة لصاحب المحطة، 300 ليرة لشركة النقل، و300 ليرة لشركة التوزيع، وبالتالي بحال رفع الدعم، سيصبح سعر الصفيحة الأساسي، بشرط استمرار سعر النفط عالميا على ما هو عليه، وعلى أساس سعر دولار يصل الى 4 ألاف ليرة لبنانية، 27 ألف ليرة، ولتصبح مع الزيادات، 40 ألف ليرة، وعلى أساس سعر 5 آلاف ليرة للدولار سيصل سعر الصفيحة الى 47 ألف ليرة، مع العلم أن من الاقتراحات رفع الدعم وتخفيض ضريبة الدولة بنفس الوقت.
لا يمكن رفع الدعم عن المحروقات وتحديدا المازوت، من دون خطة دعم واضحة للفقير، او لسائقي السيارات العمومية، والمصانع، والمزارعين، ومن دون وضع آلية للنقل العام، وفي هذا السياق يشير شمس الدين الى أن مساعدة السائقين العموميين سهلة، ويمكن تسليمهم عند قيامهم بالمعاينة الميكانيكية دفتر بونات بـ350 تنكة بنزين سنويا.
كذلك الأمر بالنسبة للمعامل الصناعية العاملة على المازوت، وأصحاب المولدات الكهربائية، اما بالنسبة للنقل المشترك، فيمكن بحسب شمس الدين تشغيل الفانات الموجودة اليوم، والتي يبلغ عددها حوالي 7 آلاف، لحساب وزارة النقل، فيؤجر صاحب الفان آليته لحساب الوزارة، وينال السائق راتبا، وتحدد الوزارة لهم خطة السير، ولا داعي لإجراء مناقصات وشراء باصات، كذلك يدعو الى إصلاح الباصات الـ300 المهملة، وتشغيل الميكانيكيين فيها وإعادتها للعمل.
رفع الدعم عن المحروقات قد يكون إيجابيا بحال ترافق مع كل هذه الخطط، وهذا ما لا يثق اللبناني بالدولة للقيام به، فهل تقع الكارثة الاجتماعية بحال رُفع الدعم، أم الكارثة المالية بحال استمر؟.