حتى الساعة، لم يظهر أي موقف لبناني رسمي حول كيفية التعامل مع قانون قيصر الأميركي، الذي يفرض عقوبات على الحكومة السورية والمتعاونين معها، على عكس ما هو حال الأردن، حيث أكد رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز أن هذا القانون لن يؤثر على العلاقات بين الجانبين.
لم يعد من الممكن نكران تأثير "قيصر" على الواقع اللبناني، لا سيما الإقتصادي، الأمر الذي يتطلب مسارعة الجهات المعنية إلى حسم موقفها، على الأقل لناحية إطلاق مفاوضات مع الإدارة الأميركية بهدف الحصول على إستثناءات من تطبيقه، ما يفرض تحدياً كبيراً على الدبلوماسية اللبنانية، في ظل الإنقسام السياسي التقليدي بين الأفرقاء المحليين، بالإضافة إلى فتح أكثر من ملف خلافي يتعلق بالعلاقات اللبنانية السورية، كالمعابر غير الشرعية والتهريب العابر للحدود.
في هذا الإطار، كان واضحاً الموقف السوري، الذي عبر عنه وزير الخارجية وليد المعلم، لناحية جهوزية بلاده بالتعاون مع لبنان في مواجهة هذا القانون، لكنه شدد على أن هذا لا يتم برغبة سورية بل برغبة مشتركة، لافتاً إلى غياب هذا التواصل مع لبنان حتى الآن، ما يعيد إلى الأذهان موقف الحكومة اللبنانية من هذه الخطوة، التي تتحمس لها قوى الثامن من آذار، لا سيما "حزب الله"، بينما تعارضها بشدة قوى الرابع عشر من آذار.
الرسالة الأبرز في مؤتمر المعلم الصحافي، الذي لم يكن مخصصاً لتناول العلاقات مع لبنان، تكمن بتجديده رفض بلاده نشر قوات دولية على الحدود المشتركة، وهو موقف معروف مسبقاً، بحسب ما تؤكد مصادر في قوى الثامن من آذار، ترى أن معالجة أي ملف خلافي بين البلدين من المفترض أن يتم بالتواصل المباشر بينهما، خصوصاً أن هناك علاقات دبلوماسية تجمعهما، بالإضافة إلى المعاهدات والإتفاقات الثنائية، وبالتالي لا يمكن التعامل مع دمشق، كما يسعى البعض، على أساس أنها عدو.
من وجهة نظر هذه المصادر، الجميع بات يعلم أن لبنان سيكون المتضرر الأكبر من "قيصر"، في ظل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي يمر بها، وبالتالي من مصلحته البحث عن حلول منطقية تجنبه التداعيات السلبية، وتشير إلى أن المسؤولية في هذا المجال تقع على عاتق الحكومة الحالية، التي لا تستطيع أن تغض النظر عن هذا الامر، وتلفت إلى أن معالجة ملف المعابر غير الشرعية تحتاج أيضاً إلى تنسيق بين البلدين.
بالنسبة إلى هذه المصادر، لبنان يخوض المعركة نفسها التي تخوضها سوريا اليوم، نظراً إلى أن سياسة العقوبات الإقتصادية تشمل البلدين، وإنطلاقاً من ذلك يكون التعاون بينهما هو أضعف الإيمان، وتشير إلى أن الجميع بات يدرك أن السبب الأساس لما تعاني منه البلاد يكمن بالموقف الأميركي، الذي يريد الضغط لتحقيق مكاسب سياسية، سواء في لبنان أو في سوريا، وهو ما عبر عنه الممثل الخاص للولايات المتحدة لدى سوريا جيمس جيفري، من خلال تأكيده بأن بلاده لا تريد من الرئيس السوري بشار الأسد التنحي بل تغيير السلوك.
على الجهة المقابلة، تبدو القراءة مختلفة كلياً لدى قوى الرابع عشر من آذار، بالرغم من أنها ليست موحدة تنظيمياً، نظراً إلى أن الموقف من العلاقات اللبنانية السورية هو من الوحيد التي تجتمع حوله، حيث تستغرب مصادر نيابية في هذا الفريق، عبر "النشرة"، إصرار بعض الجهات المحلية على إعادة العلاقات مع دمشق إلى ما كانت عليه في الماضي، وتسأل: "ما الفائدة التي سيجنيها لبنان من ذلك، لا سيما بعد قانون قيصر، طالما أن هذه العلاقات من الممكن أن تدخله في دائرة العقوبات الأميركية، إلى جانب سوريا"؟، وتضيف: "لا تملك أي جهة حق الدخول في مغامرة من هذا النوع، نظراً إلى أن التداعيات ستطال جميع المواطنين".
بالتزامن، تسأل هذه المصادر عن أسباب عدم ترسيم الحدود بين الدولتين، حيث تشير إلى أن دمشق هي من كانت ترفض التعاون في هذا المجال، وتذكر بقضية مزارع شبعا وتداعيات عدم ترسيم الحدود عليها، وتعتبر أن طرح نشر قوات دولية بين البلدين مصلحة لبنانية بالدرجة الأولى، خصوصاً أن عمليات التهريب باتت تستنزف الإقتصاد اللبناني، الأمر الذي يدفع ثمنه جميع المواطنين.
في المحصلة، لم تأت مواقف وزير الخارجية السورية بجديد، بإستثناء الدعوة إلى التعاون بين البلدين لمواجهة قيصر، لكن في لبنان الإنقسام في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع القانون الأميركي هو الطاغي، وبالتالي الرهان على تحول في موقف الحكومة الحالية قد يكون في غير مكانه.