يشكل لقاء بعبدا يوم غد الخميس (في حال انعقاده) نقطة انطلاق جديدة في اتجاه احتواء الازمة الموجودة بتشعباتها السياسية والاقتصادية والمالية، والعمل على تفكيكها ومعالجتها، بعد فشل كل المحاولات السابقة وعدم صمودها امام الحرب المالية التي تشن على لبنان من الداخل والخارج.
من البديهي القول ان لبنان لم يعد في امكانه التعامل بخفة مع ما يجري إن على المستوى المالي او الاقتصادي حيث ان حلقة المناورة ضاقت الى ابعد الحدود، وبات على الحكومة ان تأخذ الاجراءات الكفيلة بإعادة عقارب الساعة المبعثرة الى مكانها للعمل بانتظام، بعيداً عن النكد السياسي ولعبة النكايات التي اوصلت البلد الى هذا الدرك من الانهيار.
لا شك ان هناك خيطاً رفيعاً بين الانفراج الداخلي والانفجار الاجتماعي والاقتصادي، وبات لزاماً على المعنيين الامساك بهذا الخيط بكثير من التروي والمسؤولية تجنباً لوقوع الانفجار، والذهاب في اتجاه اتخاذ الاجراءات الجدية في المعالجات علّ ذلك يفتح الافق المقفل امام الانفراجات التي لا تبدو ملامحها قريبة.
صحيح ان الحكومة تبذل جهودا فوق العادة في مقاربة الملفات المفتوحة، وتصارع الامواج العاتية للوصول بالبلد الى شاطئ الامان، غير ان هذه الجهود للأسف ما تزال تصطدم بعقبات كثيرة، ومن بين هذه العقبات ما هو بفعل بعض مكونات هذه الحكومة، اضافة الى عقبات خارجية ناجمة عن وجود معارضة لطريقة تعاطيها مع بعض الملفات لا سيما الاصلاحية منها وهو ما يجعل الثقة الاقليمية والدولية مفقودة بها، ناهيك عن عوامل اخرى تتعلق بالخارطة الجديدة التي تُنسج للمنطقة.
المنطقة على صفيح ساخن إلى ما بعد الانتخابات الأميركية الخريف المقبل
كل ذلك في دفة، وما يحكى عن التوجه لاتخاذ اجراءات قاسية على شاكلة رفع الدعم عن الخبز والطحين في دفة ثانية، اذ ان المعطيات الموجودة لا تشجع على الاقدام على مثل هكذا اجراءات في الوقت الذي يئن ويعن فيه المواطن من عدم قدرته على تأمين لقمة عيشه، وهذا قد يخلق مناخات مشابهة لتلك التي حصلت في العام 1992 واطاحت بحكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، علماً ان الظروف التي احاطت بتلك المرحلة كانت افضل بكثير مما عليه اليوم ماليا واقتصاديا.
ان المتابع لمسار الاتصالات واللقاءات التي تجري على غير صعيد يشعر وكأن المسؤولين وضعوا انفسهم في حالة استنفار دائم لتدارك الأسوأ، خصوصا ان ما برز في الاسبوعين الماضيين كشف عن خوف حقيقي من انفلات الشارع من عقاله نتيجة حالة الاحتقان التي تسوده، وقد تنبه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى هذا الامر وسارع الى شحذ سيفه لقطع رأس الفتنة من خلال مروحة من الاتصالات واللقاءات ونجح في احتواء هذا الخطر، وعمل على تفكيك صواعق الانفجار، وهو قد صارح من التقاهم في الآونة الاخيرة بأنه يتوجس خيفة مما يتهدد البلد، مشددا على ان الحوار هو السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان.
وفي هذا السياق تؤكد مصادر سياسية عليمة ان المنطقة بكاملها تقف على صفيح ساخن، وعلى لبنان ترتيب بيته الداخلي والعمل على الحد من تأثيرات ذلك على وضعه الداخلي، خصوصا وأن لبنان لم يعد اولوية على الاجندة الاقليمية والدولية، فالأنظار تتجه الى ما يجري في ليبيا، وما يحصل بين اثيوبيا والسودان، وما هو قائم في سوريا والعراق، وما هو مرتقب في فلسطين حيث تتحضر اسرائيل لضم الضفة الغربية.
وفي رأي المصادر ان هذا الصيف وصولاً الى الخريف المقبل موعد الانتخابات الاميركية سيكون ملتهباً على اكثر من جبهة وما على المسؤولين اللبنانيين الا تهدئة الوضع الداخلي والانحناء الى ان تمر العاصفة المرتقبة، وعدم الجلوس في محطة انتظار ما سيقرره صندوق النقد الدولي من مساعدات لأن ذلك ربما يستغرق عاما كاملا من دون معرفة حجم هذه المساعدات وما اذا كانت تفي بالغرض لفرملة الانهيار الحاصل على المستوين الاقتصادي والنقدي، متسائلة لماذا خلال هذه المدة لا يذهب لبنان ويفاوض بعض الدول ومنها الصين لتوقيع عقود استثمارية في البلد ربما تكون عائداتها اكبر بكثير مما سيعطينا اياه صندوق النقد