من الصعب السيطرة على سعر صرف الدولار بظل غياب ثقة الناس بالدولة، فمن يملك ليرة لبنانية يسعى لتحويلها الى العملة الخضراء في السوق السوداء، التي ما زالت تشكل نسبة 60 بالمئة من السوق اللبناني اليومي، ولكن في الفترة الماضية قيل الكثير عن خروج دولارات من لبنان الى سوريا، مع الإشارة الى أنّ العملة السورية تعاني امام الدولار، ومؤخرا انخفضت الى أدنى مستوياتها التاريخية.
في الأسابيع الماضية، تم توقيف صيارفة، ومدراء مصارف، وصيارفة غير شرعيين، في سياق الحملة الأمنيّة ضد المتلاعبين بسعر الليرة، ولكن لم تصل التحقيقات في هذه الملفات الى نهايات سعيدة، والنهايات السعيدة هنا تعني سجن المتورطين واستعادة الثقة بالليرة، فكل ما حصل كان الإفراج عن الموقوفين بسندات كفالة، رغم أنّ ما رشح عن التحقيقات يُظهر تورط جهات ماليّة نافذة في لعبة رفع سعر الدولار، عبر تخزينه او تجميعه من السوق، وإخراجه من البلد.
رغم هذه التحقيقات، استمر البعض بتوجيه الإتهام الى فئة سياسية بتهريب الدولار الى سوريا، لدعم الليرة فيها، وتحويل الملفّ الى سياسي بامتياز، فهل فعلا تخرج الدولارات الى سوريا؟ وكيف يتم ذلك؟.
لطالما اعتُبر القطاع المصرفي اللبناني، نقطة مضيئة في هذا البلد، وكان من القطاعات التي تجذب رؤوس الاموال العربيّة، وعلى رأسها السوريّة، اذ كانت أرقام الودائع السورية في لبنان خرافية، ولكن في العام 2002 بدأت المصارف اللبنانية عملية فتح فروع لها في سوريا، فنقل سوريون أموالهم من لبنان الى فروع المصارف هناك، ولكن رغم ذلك بقيت أرقام ودائع السوريين في لبنان كبيرة جدا، بحيث تصل اليوم بحسب مصادر مطلعة الى حوالي 40 مليار دولار، يملكها سوريون، وسوريون حصلوا على الجنسية اللبنانيّة.
إن التجّار السوريين الكبار كانوا يعتمدون في تمويل تجارتهم على أموالهم في لبنان، ولكن بعد ازمة تشرين الأول 2019، وإقفال المصارف، ومن ثم أزمة سحب الدولار، انتقل هؤلاء التجّار بحسب المصادر الى البحث عن مصادر أخرى لتمويل تجارتهم، فكان التوجه نحو السوقين اللبناني والسوري، لشراء الدولارات، الامر الذي ساهم الى جانب العوامل الاخرى بازدياد الطلب على الدولار لاستيراد البضائع، وهنا تتحدث المصادر عن ارقام كبيرة، أثرت على حجم طلب الدولار، ولكن ما تؤكده المصادر هو أن هؤلاء التجار لم يشتروا العملة الخضراء من لبنان لنقله الى سوريا، بل لتمويل عمليات الاستيراد، وبالتالي لم يكن للسياسة علاقة بهذا الأمر.
نعم قبل الأزمة، كان السوريون ينقلون الدولار الى سوريا، بحدود 3 مليون دولار يوميا، ولكن لم يكن مصدرها السوق اللبناني ولا مصارفه، بل مؤسسات تحويل الأموال من الخارج، اذ كان السوري يعتمد على لبنان لاستلام الدولار المحوّل له من الخارج، لأن عمليات التحويل الى سوريا ممنوعة، فكان الاعتماد على لبنان، الى جانب إرسال أموال العمال السوريين في لبنان الى سوريا أيضا وبالعملة الخضراء، وهذا الأمر أيضا لا علاقة له بالسياسة.
اذا، تأثر الاقتصاد اللبناني بشكل عام جرّاء خروج الدولارات منه الى سوريا طيلة سنوات، ولكنه بالمقابل كان يحصل على ودائع بالدولار تفوق بعشرات الأضعاف ما يخرج منه، ولكن الاقتصاد السوري الذي شهدت عملته انهيارا تاريخيا منذ اسابيع، تأثر بشكل كبير جدا بالوضع اللبناني، خصوصا بعد انعدام قدرة التجار السوريين على سحب دولاراتهم، واعتمادهم على شراء الدولار من لبنان وسوريا، وبسبب توقف التحويلات التي كان يُرسلها سوريون الى سوريا، وهذا بالنسبة الى المصادر يدخل ضمن اللعبة الاقتصاديّة الماليّة، وبالتالي فإنّ الحديث عن تهريب دولارات الى سوريا قد يكون سيّاسيا اكثر منه اقتصاديا، لان الصيرفي السوري الذي يشتري 100 الف دولار من لبنان ويأخذها الى سوريا لا يشكّل خطرا على الاقتصاد.
دار حديث عن نقل أموال مودعين من لبنان الى الخارج في الصيف الماضي، قبل اندلاع الأزمة، وربما قد يكون البحث عن خلفيات هذه العمليات أكثر فائدة من تضييع الوقت في تبادل الاتّهامات السياسية، لانّ السياسة في لبنان "خربت بيوتنا".