لم يكن ينقصنا كلبنانيين، في ظل الأزمة الماليّة والإقتصاديّة التي نمرّ بها، إلا تصدّر المنجمين والعرّافين مختلف وسائل الإعلام، ليبشروننا بالمستقبل الصعب الذي ينتظرنا، غير المبنيّ على أيّ وقائع أو حقائق، بل على "إلهام" من قرر الدخول إلى منازلنا من دون أيّ إستئذان، الأمر الذي من المفترض أن تُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، نظراً إلى التداعيات السلبيّة التي يتركها.
من دون سابق إنذار، يخرج هؤلاء للحديث عن إرتفاع سعر الدولار مقابل الليرة إلى مستويات قياسية، تصل الى 15 ألف ليرة، أو للكشف عن ضربة إسرائيليّة محتملة في الأشهر المقبلة أو عن توتّرات أمنيّة في الشارع وسقوط دماء، في ضرب لأيّ أمل يجاهد المواطن اللبناني للحفاظ عليه، وكأنّ المطلوب منه أن يفقد هذا الأمل في وطنه والبحث عن خيارات أخرى.
قبل أيام، كان من الواضح أنّ هناك قراراً على أعلى المستويات يقضي بملاحقة مروّجي الشائعات، لا سيّما على مواقع التواصل الإجتماعي، خصوصاً تلك التي تتناول الوضعين المالي والنقدي، لكن ماذا عن تلك الشخصيّات التي باتت تستغلّ معاناة اللبنانيين للظهور الإعلامي، وتوجيه رسائل لا أحد يعرف أهدافها أو مصدرها، وما هو دور وسائل الإعلام على هذا الصعيد، مع العلم أنّ رسالتها من المفترض أن تكون مختلفة.
ما تقدّم، يدفع إلى السؤال عمّا إذا كان المطلوب من اللبنانيين التعامل مع ما يصدر عن "إلهام" المنجّمين والعرّافين على أساس أنها حقائق مطلقة، أو بناء مشاريعهم المستقبليّة على أساسها، على اعتبار أنّها تتخطّى فكرة التوقّعات الى الارتباط مع اجهزة استخباراتيّة، وهذا الأمر لطالما كان عنوانا يتحدث فيه من يستمع الى هؤلاء.
هل بات المطلوب دفع اللبناني الى الانتحار أم ماذا؟ هل بات دور وسائل الإعلام ضخّ التشاؤم، مقابل الحضور الجماهيري، وهل انتقل الإعلام من صناعة الرأي العام، الى تقديم "ما يريده المشاهدون؟، ألا يمكن اعتبار الليرة هدفا لمثل هذه التوقّعات والخزعبلات، علما أن الجميع بات يعلم بأنّ أسعار الصرف تتأثر بالإشاعات، لأنّ الناس فقدت الثقة بكل شيء، وأصبحت تصدّق كل كلمة وتتصرف على أساسها، وهل يتوقّع من يخرج علينا بمثل هذه التوقّعات، ألاّ يتهافت اللبنانيون على شراء المزيد من الدولار من السوق السوداء تحسّبا لوصول الدولار الى 15 ألف، علما أنّ هذا الرقم قد لا يكون مستبعدا، وهل بات كل شيء متعلقًا بمنجمّين باتوا ضيوفا أساسيين في بعض وسائل الإعلام، التي اختارت الذهاب إلى مثل هذه الخيارات لرفع نسبة المشاهدة لديها، بدل العمل على إفساح المجال أمام الطاقات الموجودة في البلاد لطرح الحلول العلميّة للخروج من الأزمة الراهنة.
أسخف ما قد يصدر عن تلك الشخصيّات، هو عندما تحاول الإيحاء بأن لديها المزيد من التفاصيل لكنها تتجنب الكشف عنها، في وقت يعجز معظم المسؤولين عن رسم سيناريوهات واضحة لمستقبل البلاد، أو عندما تسعى إلى التأكيد بأن ما تقدّمه من "معلومات" هو حقائق مطلقة، على قاعدة أنّها تعلن عنها على مسؤوليّتها الخاصة، على أساس أن (هذه الشخصيّات) لديها مصداقية مع الرأي العام لن تغامر فيها، أو محاولاتها ذرف الدموع تأثراً بما ينتظر البلاد من أحداث.
هي حرب نفسية، عن قصد أو عن غير قصد، يخوضها المنجّمون ووسائل الإعلام التي تفسح امامهم مجال الكلام، حرب بات ينبغي التعامل معها وفق القانون على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من عملية ضخّ الإشاعات، خصوصا أنها تصدر عمّن لا يملكون صفة رسميّة. بات لزاما على الأجهزة المعنيّة إيقاف هذه السخافات سريعا.