1- الهروب نحو الموت
يتخبّط عالمنا يومًا بعد يوم بشتّى أنواع التَّعقيدات والعراقيل والأزمات والمشاكل والصُّعوبات. زاد على ذلك انتشار عدوى فيروس "كورونا" Covid 19، وتداعياته المؤذية والسَّلبيّة على جميع الصُّعُد، الَّتي طالت أغلبيّة سكّان الكرة الأرضيّة. هذا التخبُّط المستمرّ والمؤثّر على الحياة العامّة لأفراد المجتمع، ينتج عنه أعراض كارثيّة تطال كلّ الأشخاص الَّذين فقدوا المناعة، كما عدم قدرتهم على المواجهة أمام الأزمات والكوارث، لا سيّما أمام متطلّبات الحياة اليوميّة. يحاول بعضهم الهروب إلى الأمام أو الخضوع والجنوح نحو الكآبة والحزن والإحباط واليأس والخوف من الغدّ وغيرها من الحالات المؤذية مثل: الأمراض النَّفسيّة والعاطفيّة والمعنويّة والإيمانيّة والمعيشيّة. هل باستطاعتنا أن ننكر أنّ البعض من نساءٍ ورجالٍ،يستخدمون المخدّرات هربًا من واقعهم الأليم؟ نراهم في المجتمع يعيشون ويتفاعلون بحسب نظرتهم ورؤيتهم للحياة.
يُجمع الأطبّاء وعلماء النَّفس والاجتماع وغيرهم، حول تداعيات الافراط باستخدام المخدّرات، التي تقتل الجسد والنَّفس معًا، أيّ تقضي على الحياة. يعيش مستخدمو المواد المخدّرة على اختلاف أنواعها في غربة وعزلة، ويشعرون بأنّهم متروكين ومنسيّين ومهمّشين من قبل أفراد المجتمع، وحتّى من قبل أهلهم وأصدقائهم. أَلا يتوجّب على أصحاب النوايا الحسنة والإرادة الصَّالحة، الشُّعور بهمومهم وصعوباتهم وآلامهم وأحزانهم؟ أَلا يُطلب اليوم من المؤسَّسات والجمعيّات والحكومات، دعم كلّ محاولات الوقاية والعلاج والتَّأهيل، لمستخدمي المخدّرات؟ أَلا يفترض أن يساهم كلّ فردٍ ناضجٍ من أفراد المجتمع، في الحدّ من مخاطر استخدام المخدّرات؟ هل تبخرّت رسالة الرَّحمة والتَّعاضد تجاه الأشخاص الضّعفاء، الَّذين دفعت بهم الصُّعوبات والأمراض النَّفسيّة والحرمان العاطفيّ، والعوز والتَّربية الخاطئة إلى استخدام المخدّرات؟
يُطلب اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، لا سيّما في زمن "كورونا"، الَّتي جلبت للعالم المصائب الكثيرة والمتعدّدة، الكشف عن عالم المخدّرات، الَّذي يتوق لجهود كلّ العقلاء والحكماء، للتخفيف من آلام ومعاناة وجروحات هؤلاء المستخدمين، الَّذين يتحوّلون إلى مدمنين، كما احتضانهم ومرافقتهم ومتابعتهم، لمساندتهم للتخلّص من سيطرة عالم المخدّرات. أَلا يستحقّون كلّ رعاية للارتقاء إلى أعلى مستويات القِيَم الإنسانيّة والأخلاقيّة والرُّوحيّة؟ أَلا يملكون مثل كلّ إنسانٍ تلك الكرامة الإنسانيّة الَّتي تجمع أبناء البشر؟
2- لا تدين وإلاّ ... تدان
هل يحقّ لكلّ إنسان التعالي على مستخدمي المخدّرات والمرتهنين لها؟ كم من أشخاص يدّعون أنّهم أهل تقوى وصلاح وذوو أخلاق حميدة، فتأتي معتقداتهم وأفكارهم وأعمالهم وأفعالهم مناقضة لأقوالهم، حين يميّزون وينتقصون من قيمة هؤلاء المرضى النفسيّين، فيزيدون من تعاستهم وألمهم. هل كلّ مَن يدين هو أفضل من المُدان؟! لِمَ يتعرّض أولئك إلى الاقصاء، ويُحرمون من حقوقهم على جميع الصُّعُد، لا سيّما الخدمات الصحيّة والعلاجيّة، والرِّعاية الاجتماعيّة، والنَّفسيّة والأخلاقيّة؟ أَلا يحقّ لهم الحصول والاستفادة من البرامج والمشاريع والاستراتيجيّات المعتمدة للحدّ من مخاطر استخدام المخدّرات؟ أَلا يملك هؤلاء كسائر النَّاس الطيبة والخير والإيمان؟
ينتج عن الارتهان للمخدّرات مخاطر جمّة. هذا الأمر يستدعي العمل بجديّة من قِبَل أفراد المجتمع، على التوعية ونشر المعرفة، كما حثّ المدمنين على العلاج والتَّأهيل، وتكثيف النَّشاطات واعتماد جميع الوسائل والطرائق للحدّ من المخاطر، وخلق فرص مؤاتية للإندماج من جديد في الحياة الاجتماعيّة، لا سيّما العائليّة.
3- مسيرة لا بدَّ منها
أين أنتَ (أنتِ) أيّها المدمن؟! تعال وانظر... هناك مَن ينتظرك لإعادة التَّواصل والاتّصال بك والعيش معًا، على أمل أن تعي واقعك الأليم، فتطلب المساعدة للعودة إلى ربوع الذّات الهادئة. هناك مَن يريد أن يعتني بك ويرافقك في مسيرتك النضاليّة، للحدّ من المخاطر على حياتك وحياة الآخرين. لا تنس أنّ حياتك مقدّسة ومحترمة.
تعال... معًا، لنطلّع على الموضوع بمختلف جوانبه: الاقتصاديّة، النَّفسيّة، الصحيّة، الاجتماعيّة والرُّوحيّة.
تعال... معًا، للحدّ من مخاطر الإفراط في استخدامك للمخدّرات، من خلال الاصغاء الجيّد لما يؤذيك أو يتعبك، والاطلاع على معاناتك، والسَّعي إلى فهم وإدراك احتياجاتك.
تعال معًا، لنكسر حاجز الصَّمت. أنت وأنا، وأفراد المجتمع، جميعنا بحاجة إلى المعرفة العلميّة والصحيّة، للتعرّف على إشكاليّة إستخدام المخدّرات وارتباطها بأمراضٍ أخرى، كما للمعلومات الوقائيّة، والعمل على تغيير الذهنيّة والثَّقافة المجتمعيّة، وتعديل السلوكيّات، للحدّ من الوصم والتمييز تجاه مستخدمي المخدّرات.
لا بدّ من إعادة الدّور الرئيس للعائلة والمؤسَّسات التَّربويّة، في تنشئة الجيل الصَّاعد، على المفاهيم الصَّحيحة، والمبادئ الناجحة، والقِيَم الأخلاقيّة والإنسانيّة، وحمايته من كلّ ما يعرّضه للإنزلاق وراء المخدّرات والتعلّق بها، من دون معرفة مخاطرها وتداعيّاتها السيّئة.
بالتَّأكيد، تندرج التَّوعية في خانة العلاج والتَّأهيل والحدّ من المخاطر، بتأمين الدَّعم النَّفسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، كما المرافقة للمصالحة مع الذّات والآخر والله.
من أجل نجاح مسيرة العلاج والتَّأهيل، لا بدّ من تقدير مشاعر المدمن وأحاسيسه، عبر التَّعاطف معه، والمبادرة الى تعبيد الطريق نحو المسامحة والشِّفاء المُمكن، بإعطائه الأمل للاندماج من جديد، كي يحيا من جديد، حياة كريمة، إيجابيّة ومُنتجة على جميع الصُّعُد. أَلا يحتاج هؤلاء للدخول نحو الشِّفاء، إلى الحبّ والعطف والرَّحمة والغفران والدَّعم؟ أَلا يُطلب اليوم العمل على ممارسة "العدل والرَّحمة"؟
4-تحول وتغيير
لا بدَّ من التحوّل الإيجابيّ بالنسبة إلى معاملة مستخدمي المخدّرات، حيث تساعد إزالة كلّ العوائق القانونيّة والاجتماعيّة وغيرها، على إعادة اندماجهم في بيئتهم المجتمعية، وتسهم في تعافي المجتمع من مخاطر المخدّرات وتداعيّاتها السيّئة، من أجل مجتمع فاعلٍ، مسؤولٍ ومُنتج، يسوده الأمانوالفرح والسَّعادة.
أَلا يتطلّب تغيير الواقع المُزري والاستثمار في الغَد، مبادرات رائدة، وشجاعة حكيمة، والتزام إنسانيّ، ومثابرة حتميّة، ونضال واعٍ، وقيادة واعية؟ هل نملك الجرأة والرَّغبة في عملية التغيير؟
لنعمل على الكفاءاتوالنوايا الصَّافية والارادات الصَّالحة، الَّتي تصبّ في خانة المجتمعات.
نعم، هناك برنامج علاج يقوم علىالعلاج بالبدائل للمواد الأفيونيّة، والعلاج الجسديّ والنَّفسيّ والاجتماعيّ. يُعطي العلاج بالبدائل، القدرة للمدمن على تخفيف التبعيّة للمخدّرات، ويحسّن صحّته النَّفسيّة والجسديّة، ويساهم في الحدّ من السلوك "الشَّاذ" الَّذي يؤدّي إلى ارتكاب بعض المعاصي والجرائم.
نعم، "الصحّة من أجل العدالة، والعدالة من أجل الصحّة".
تعال، أين أنت؟ نحن هنا من أجلك ومن أجلنا.
تعال... معًا، لنبني عالمًا يسوده الأمان والسَّلام وحبّ الحياة.