يروّج المحسوبون على دوائر غربية أن هناك حرباً مقبلة بين إسرائيل ولبنان. يستند هؤلاء أنفسهم إلى أنّ "حزب الله" لن يتحمّل مزيداً من الحصار، "مما يفرض عليه الذهاب إلى حرب تشكّل مخرجاً للأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان". هؤلاء ذاتهم يعتقدون أنّ الحصار والعقوبات والإجراءات ستستولد جميعها ضغوطاً شعبية هائلة، تجبر الحزب على التنازل عن ثوابت بما يتعلق بالحدود والسيادة والثروات الطبيعية والصواريخ الذكية. لكن بحسب المعلومات المتوافرة: لا صحة لكل ما يروّج له. لا يوجد نيّة لشن حرب عسكرية بين اسرائيل ولبنان: "حزب الله" لن يغيّر حالياً في قواعد الإشتباك القائمة. بالطبع فإنّ إستعدادات كل "محور المقاومة" قائمة، وفق جهوزية مستدامة لأيّ مواجهة تفرضها إسرائيل. لكن الإستناد الى فرضية أنّ الحزب "سيهرب من الحصار نحو الحرب" هو في غير مكانه. علما ان تل ابيب تمر بأزمة سياسية ايضاً، وهي تعرف ان الردع المتبادل مع محور المقاومة يمنعها من فتح اي مواجهة خارج قواعد الإشتباك القائمة. فإذا ارادت إسرائيل شن حرب ضد لبنان ستخسر مشروعها في ضم الضفة الغربية الذي يواجه مطبات اساساً: لا رغبة أوروبية به، ولا توافق اميركي كامل بشأنه، في ظل تردّد إسرائيلي حول تنفيذه.
من جهة ثانية لا توحي المعطيات الداخلية أن الفرضية الثانية القائمة على "ثورة الشعب اللبناني ضد المقاومة" هي واردة. لم تنجح خطة توجيه النقمة الشعبية في هذا الإتجاه.
ما يجري الآن هو مراكمة ضغوط داخلية وخارجية هائلة لسحق الإقتصاد اللبناني المتهالك، ورمي المواطنين في قعر أزمة معيشية غير مسبوقة، ثم الإدّعاء ان السياسة التي تقوم على تبني او دعم المقاومة هي المسؤولة عن تلك الأزمات. لكن الأثمان يدفعها كل اللبنانيين جراء تلك الضغوطات، ولا تقتصر على فئة واحدة ولا بيئة واحدة ولا طائفة واحدة. واذا كانت الحكومة عاجزة عن فرض معالجة جوهرية لأنها لا تملك لها حلولاً جوهرية، ولا اموالاً مطلوبة، فإن البديل عنها مطلوب في كل وقت، من أجل مواجهة الضياع المحلي و"الحرب الأهلية" القائمة الآن. هنا حسم نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي على طاولة لقاء بعبدا بأن ما يجري في لبنان حالياً هو حرب أهلية: أليس قطع الطرق، والإحتقان، والتخبط، والشحن، والاحتكاكات، والشعارات، والملف الإقتصادي، وغيرها من أزمات تضج في لبنان هي تقع في صلب الحرب الأهلية؟.
تتحدّث المعلومات عن بقاء لبنان في مساحة تلك الحرب لا غير، لغاية إتضاح مسار الضغوط القائمة والتفاوض المرتقب. خصوصاً أنّ لبنان هو جزء من مشهد إقليمي ساخن بكل المقاييس الميدانية والإقتصادية.
ليس "محور المقاومة" في وارد التنازل عن ثوابته، ولا التفاوض مقبول عنده الآن قبل موعد الإنتخابات الأميركية التي ستحمل رئيساً جديداً إلى البيت الأبيض في شهر تشرين الثاني المقبل، يمكن فتح باب التفاوض معه حينها. يعني ذلك ان الإقليم سيبقى محكوماً بإستمرار تلك الأزمات التي تتوسع لتشغل العراق في ساحته، وسوريا على جبهاتها الإقتصادية والشرقية والشمالية والجنوبية، ومصر في سيناء وعلى حدود ليبيا ومع إثيوبيا، والأردن في مستنقع إقتصادي يحتاج فيه دوماً للقارب الأميركي لمنع غرق المملكة، بينما الفلسطينيون محاصرون على كافة الجبهات واليوميات.
مما يعني أن لبنان سيمضي في ظل حربه الأهلية وفق توصيف الفرزلي حتى يتضح المشهد الخارجي وينعكس ايجاباً في الداخل.