لن يطول الوقت كثيراً حتى يتبيّن للجميع، مؤيدين ومعارضين وحائرين ما بين بين، أنّ «قانون قيصر» سيؤول إلى فشل كبير. خاصة أنه أتى في الأساس نتيجة فشل ما سبقه من سياسات ومخططات أميركية وصهيونية ضدّ سورية وحلفائها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومعلوم أنّ سورية تواجه عقوبات أميركية منذ أكثر من أربعة عقود، ومعلوم أيضاً أنّ هذه العقوبات كانت تسير من فشل إلى فشل نتيجة صمود سورية وثبات موقفها في مواجهة العدو الصهيوني وكيانه المصطنع في فلسطين المحتلة.
في هذا السياق يكفي التذكير بمحطتين اثنتين للدلالة على ثبات الموقف ووضوح الرؤية وصوابية الاستشراف…
1 ـ رفض الرئيس الراحل حافظ الأسد في آذار 2000، أيّ قبل نحو ثلاثة أشهر من وفاته في حزيران من العام نفسه، التنازل عن بضعة أمتار من الأراضي السورية في محيط بحيرة طبريا، وغادر الاجتماع مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون في جنيف من دون أن يستمع إلى العرض الذي كان سينقله إليه من رئيس وزراء العدو آنذاك إيهود باراك.
2 ـ رفض الرئيس الدكتور بشار الأسد لائحة الشروط والمطالب التي جاء بها وزير الخارجية الأميركي كولن باول بعد أيام قليلة من دخول الجيش الأميركي إلى بغداد في نيسان 2003، اعتقاداً من الولايات المتحدة بأنّ وجودها العسكري في العراق يفرض على دمشق القبول بما كانت ترفضه قبل ذلك.
أبرز هذه الشروط والمطالب التي تريد واشنطن من دمشق أن تنفذها كان التخلي عن دعم المقاومة في لبنان وفلسطين وإقفال مكاتب الفصائل الفلسطينية في دمشق، تمهيداً لعودة البحث بما يسمّى «السلام» العربي ـ «الإسرائيلي»…
لكن مفاجأة باول ومَن خلفه في واشنطن كانت في الرفض القاطع الذي تبلغه بكلّ وضوح من الرئيس المقدام الدكتور بشار الأسد، الذي أعاد إلى الوزير الأميركي ورقة شروطه ومطالبه، مؤكداً التمسك بثوابت سورية الوطنية والقومية ورفض المساومة عليها مهما كانت التحديات والأثمان.
طبعاً، هناك محطات تاريخية كثيرة سجلتها سورية وقيادتها وشعبها وجيشها، ويجدر التذكير بها. لكن المحطتين المذكورتين آنفاً تعبّران خير تعبير عن دولة تحترم نفسها ولا تسمح لأحد مهما كان حجم قوّته وجبروته وغطرسته أن يفرض عليها ما يتعارض مع مبادئها وثوابتها وسيادتها واستقلالها وحرية قرارها.
الخلاصة هنا أنّ المواقف الكبيرة لا يقفها إلا الكبار، مهما ترتّب عليها من تحدّيات ومفاعيل ونتائج على أرض الواقع، وها هي سورية عملاقة صامدة كقلعة للمقاومة والعروبة، في حين نرى عرباً كثيرين يتخاذلون ويهرولون إلى التسويات ويفرّطون بالقضية المركزية، ويتنازلون عن الحقوق القومية، فضلاً عن حقوق كياناتهم نفسها، خاصة أولئك الحكام الذين وهبوا الأميركيين الثروات والمدّخرات والقدرات، ليس من أجل مصلحة شعوبهم طبعاً، بل فقط من أجل أن تستمرّ المظلة الأميركية فوق عروشهم وكراسيهم التي تهتزّ وتتزعزع بفعل الوعي الشعبي المتنامي في كلّ أرجاء الأمة.