على الرغم من الكثير من الانتقادات التي توجّه إلى حكومة حسان دياب، إلا أن ذلك لا يلغي الجرأة التي يتحدث بها بعض الوزراء عن الواقع الراهن، وذهابهم بعيداً في توصيف الواقع الصعب الذي تمرّ به البلاد، لا سيّما أؤلئك غير المدعومين، بشكل مباشر، من قوى سياسية تستطيع أن تؤمن الغطاء اللازم لما يطرحونه من مشاريع.
من ضمن هؤلاء، تبرز وزيرة العدل ماري كلود نجم، التي لا تتردد في الإجابة على أيّ سؤال يطرح عليها، رغم اعترافها بأنّها كانت بعيدة، في الفترة الماضية، عن وسائل الإعلام، الأمر الذي لم يساهم في تظهير مواقفها بالشكل المطلوب، لا سيما من ملف التشكيلات القضائيّة حيث تعتبر أنه أصبح وراءها، وتشير إلى أنه مع دخول البلاد في العطلة القضائيّة، فإنّ التأجيل قد يكون مصير هذا الملفّ إلى شهر أيلول المقبل.
خلال جلسة مع عدد من وسائل الإعلام كانت "النشرة" الحاضرة الأبرز، لم تتردّد نجم في التمسك بالملاحظات التي كانت قد وضعتها على التشكيلات القضائيّة، وتؤكّد أنّها لم تكن بطلب من أيّ جهة سياسية، بل تعبيراً عن رؤيتها لما يجب أن تكون عليه، خصوصاً بالنسبة لعدم تخصيص مراكز معينة لطوائف أو مذاهب أو لناحية اعتماد وحدة المعايير.
في السياق نفسه، كان من الواضح أن نجم مهتمّة بآراء المتابعين لأدائها، حيث كانت هي المبادرة إلى السؤال عن ذلك، طالبة الحديث بكل وضوح وشفافيّة، لتذهب بعد ذلك إلى التشديد على أنها تسعى إلى عكس قناعتها في الملفّات التي تعني وزارة العدل، رغم معرفتها أن الهمّ الاقتصادي والاجتماعي يطغى على أيّ ملف آخر، إلا أنّها تشدد على أن ما تقوم به يصب في مصلحة المواطنين، الذين تلمس عدم رضاهم عن أداء الحكومة، وتقول: "أنا أيضاً غير راضية، وحتى عائلتي تسألني ماذا قدمتم طوال الفترة الماضية"؟.
من هذا المنطلق، تتحدث وزيرة العدل عن عدد من مشاريع القوانين التي تتابعها، بالإضافة إلى التحضير لملفّ التعيينات في التفتيش القضائي، من دون تجاهل تحضير المراسيم التطبيقيّة لعدد من القوانين، أبرزها قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات، إلاّ أنّ أكثر ما يهمها هو اقتراح قانون استقلاليّة السلطة القضائيّة، الذي سبق لها أن أعلنت أنها ستستقيل في حال تمّت عرقلة القانون ولم يقرّ في المجلس النيابي، مع العلم أنّها فكرت في الاستقالة مرّتين: الأولى كانت لخيبة أملها بعدم أخذ مجلس القضاء الأعلى بملاحظاتها في ملفّ التشكيلات القضائيّة، أما الثانية فكانت عند صدور التعيينات الماليّة والإداريّة، حيث سجّلت اعتراضها، في جلسة مجلس الوزراء، على آليّة التعيينات، لكنها قرّرت المتابعة بالمواجهة لأنّ مسار الانقاذ طويل ولن تستسلم.
قبل دخول نجم إلى وزارة العدل، كانت من الشخصيات الحاضرة في الشارع، في المرحلة التي تلت انتفاضة 17 تشرين الأول الماضي، لكنّها تشدّد على أنها لا تدعي أنها تمثل "الثورة"، وتنفي أن تكون محسوبة على أيّ فريق أو شخصيّة سيّاسية، حيث كان الاتصال الأول معها من قبل رئيس الحكومة حسّان دياب خلال تواجدها خارج البلاد، وعرض عليها أكثر من حقيبة أخرى، كالتنمية الإداريّة والبيئة، كانت قد أبلغت بأنها ليست من اختصاصها، قبل أن تسمح الظروف بتولّيها حقيبة العدل.
في سياق آخر، تكشف نجم أنها أبلغت رئيس الجمهورية ميشال عون عدم تأييدها التحقيقات أو التوقيفات على خلفيّة التعليقات التي تتناول مقام الرئيس على مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً إلى أنّ الأولويّة من المفترض أن تكون في مكان آخر، لكنّها تشير إلى أنّ ذلك لا يلغي أن هناك قوانين يجب احترامها، فإهانة رئيس الجمهورية أو تحقيره والشتائم المبتذلة أمر لا يخدم "الثورة".
في الشقّ السياسي، كان السؤال الأبرز الذي يطرح يتعلق بمصير الحكومة الحاليّة، لا سيّما بعد المواقف الأخيرة الصادرة عن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، إلا أنّ وزيرة العدل تشير إلى أنّ الحكومة تسقط بإستقالة رئيسها أو سحب الثقة عنها أو الثلث زائد واحد من عدد أعضائها، وتسأل: "ما هو البديل في حال إستقالة الحكومة الحالية"؟، وتضيف: "السفيرة الأميركية زارت رئيس الحكومة أكثر من مرة، كما التقت عددا من الوزراء".
بالنسبة إلى القضية المستجدة، بعد صدور قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح بحق السفيرة الأميركية، تؤكد نجم على مبدأ استقلالية القضاء الذي تحترمه، وبالتالي لا تستطيع تقييم مضمون أي قرار قضائي، لكنها تشدّد على حرية الرأي والنشر والإعلام.
وتوضح نجم أن دور وزير العدل ليس الدخول في السّجالات الإعلاميّة على مضمون القرارات القضائية، بل إتّخاذ أيّ إجراء أو موقف مناسب وفقا للقانون، وتشير إلى أنّ هذا ما ستقوم به في أول يوم عمل بعد صدور القرار.
في الختام، تشير نجم إلى أن الحكومة اللبنانية تتواصل مع الإدارة الأميركية، عبر وزارتي الخارجية والمغتربين والعدل، لمتابعة ملفّ"قانون قيصر"، خصوصاً أن لبنان معني به في أكثر من مجال.