لم تعد المشكلة اليوم، في البحث عن الحلول والسبل للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية ووضع حد للانهيار المتواصل في الوضع المعيشي للبنانيين، الذين باتوا تحت رحمة حرب الدولار الأميركية وأدواتها في الداخل، الذين يتولّون استكمال خطة حجب التحويلات بالدولار من الخارج، بالمضاربة في السوق لرفع سعره والتسبّب بالتهاب أسعار المواد الغذائية وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، ومفاقمة الأزمة وصولاً إلى دفع الناس للنزول إلى الشارع لإسقاط الحكومة خدمة لأجندة القوى التابعة لواشنطن، التي شهدناها تُسارعُ للدفاع عن تدخل السفيرة الأميركية دوروثي شيا، التي تتصرف كمندوب سامي في لبنان… فالحلول ممكنة ومتوافرة لكنها تحتاجُ إلى اتخاذ القرار السياسي الجريء من قبل الحكومة.. وهذا القرار يتطلب الذهاب إلى أبعد من معالجة أعراض الأزمة من خلال دعم سلة المواد الأساسية للحدّ من استغلال الشركات الاحتكارية التي تجني الأرباح الهائلة من جيوب اللبنانيين.. فعودة الدولة إلى سياسة الدعم خطوة جيدة لكنها ستكون ناقصة ومجتزأة إذا لم تقترن باتخاذ خطوات تقلبُ مسار السياسات الحكومية السابقة، والتي قامت على تخلي الدولة عن مواردها الأساسية عبر خصخصتها، وربط لبنان بعجلة النظام الرأسمالي الغربي وجعله سوقاً استهلاكية لمنتجاته وبالتالي تدمير الإنتاج الوطني مما استنزف احتياطات البلاد من العملات الصعبة، وأغرق لبنان بالديون.. هذه السياسة الريعية أدت إلى إضعاف قيمة الليرة والتسبّب بانهيار القدرة الشرائية للمواطنين..
إنّ الحكومة تملك القدرة، إذا أرادت، على قلب مسار الأزمة وإسقاط أهداف حرب الدولار التي تستهدف مٌفاقمةُ الأزمة المعيشة للبنانيين وإسقاط الحكومة لمصلحة المجيء بحكومة أميركية اللون والهوى… فحكومة حسان دياب بإمكانها وبقدرتها، أن تأخذ الإجراءات التالية..
أولاً، استيراد النفط ومشتقاته وكذلك الفيول والغاز من دول صديقة مستعدة لقبول الليرة اللبنانية بدلاً من الدولار.. وإيران أعلنت موافقتها على ذلك.. فيما الجزائر مستعدة أن تعطي لبنان كل احتياجاته المذكورة بسعر الكلفة..
كما يُمكن للحكومة التحرك سريعاً للاتصال بالحكومة العراقية لأجل إعادة استيراد النفط العراقي عبر الأنبوب الواصل إلى مصفاة طرابلس عبر سورية، ومقايضة الفاتورة النفط ومشتقاته بمنتجات لبنانية، زراعية وصناعية، يحتاج إليها العراق…
إنّ اتخاذ مثل هذا القرار سيكون له آثار سريعة باتجاهات ثلاثة..
الاتجاه الأول، وضع حد لنزيف احتياطي لبنان من العملات الصعبة..
الاتجاه الثاني، تحقيق عائدات مالية مهمة للخزينة كانت تذهب للشركات الخاصة..
الاتجاه الثالث، وضع حد لابتزاز الشركات الخاصة والضغوط التي تُمارسها لرفع أسعار المحروقات، لا سيما المازوت، واستطراداً ضمان ديمومة تأمين هذه المواد الحيوية للاقتصاد، ووضع حدّ للاضطراب الحاصل والذي أدى إلى زيادة كبيرة في تقنين التيار الكهربائي ورفع سعر تعرفة مولدات الكهرباء..
الاتجاه الرابع، تنشيط الزراعة والصناعة، خصوصاً أنّ العراق لديه الاستعداد والقدرة على استيعاب كلّ إنتاج لبنان، مما سيؤدي إلى إحداث نهوض في هذه القطاعات المنتجة، وتحريك العجلة الاقتصادية في البلاد، وإخراج الاقتصاد من حالة الركود والتخفيف تدريجياً من حجم البطالة..
ثانيا، استيراد المواد الغذائية من دول تقبلُ العملة الوطنية بدلاً من الدولار.. وهذا يؤدي أيضاً إلى خفض أسعار هذه المواد، والحدّ من الأزمة المعيشية من جهة، وتقليص الطلب على الدولار للاستيراد الخارجي من جهة ثانية..
هذه الإجراءات السريعة المطلوبة بمتناول الحكومة إذا قرّرت وستكون نتائجُها الإيجابية سريعة على الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في آن..
فماذا تنتظر الحكومة للمسارعة إلى اتخاذ مثل هذه القرارات والإجراءات، في وقت أعلنت فيه واشنطن، وغرفة عمليات إدارة الحرب الاقتصادية والمالية في الخارجية الأميركية، قرارها بخنق لبنان، دولةً وشعباً، بهدف إسقاط الحكومة وفرض تشكيل حكومة تلبي الشروط الأميركية الإسرائيلية التي أعلنها أركان إدارة الحرب ضد لبنان، بومبيو وشينكر وشيا..
إذا سارعت الحكومة إلى اتخاذ مثل هذه القرارات فإنها ستحصل أيضاً على تأييد الناس وتُضعف أصوات القوى التي تسعى للنيل من الحكومة وإسقاطها، وتُصبحُ الحكومة أكثر قوةً وقدرةً على تنفيذ خطتها المالية الإصلاحية لإعادة هيكلة الدين ومحاربة الفساد، وعدم بقائها بانتظار مفاوضات صندوق النقد الدولي والارتهان لقروضه المسمومة..
إنّ تردّد الحكومة وعدم إقدامها على اتخاذ مثل هذه القرارات الاقتصادية التي تؤدي إلى استعادة الدولة لجزء هام من مواردها، ووضع حدّ للطلب على الدولار في السوق المحلية، وكذلك تقليص نزيف احتياطي لبنان من الدولارات، ووقف تدهور الوضع المعيشي للمواطنين.. هو ما يجعل الحكومة كمن يطلق النار على قدميه.. ويصبح مشلولا غير قادر على الحركة…