على وقع التدهور الحاصل على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، يتأكد يوماً بعد آخر غياب الحلول على المستوى المحلي، فأغلب القوى السياسية دخلت مرحلة إنتظار التطورات الإقليمية والدولية، لا سيما المفاوضات الأميركية الإيرانية التي لم تبدأ بعد، حتى حكومة حسان دياب، التي كان يراد منها أن تعمل على الحد من سرعة الإنهيار الحاصل، تحولت إلى حكومة تصريف أعمال، تنتظر الإعلان عن وفاتها رسمياً بعد الإتفاق على البديل.
لا شيء يعطي الحكومة الحالية سبباً للبقاء إلا عدم التوافق على شكل الحكومة المقبلة، بالإضافة إلى صعوبة تشكيل أخرى في وقت قصير، في حين أن البلاد ستكون، في المرحلة المقبلة، على موعد مع مجموعة من الإستحقاقات الصعبة، التي تنذر بزيادة وتيرة الضغط في الشارع، على وقع التردي الحاصل، لا سيما مع الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
ما تقدّم لا ينفصل عن طريقة تعامل أغلب القوى السياسية مع الأزمة، حيث يُفضل معظمهم خيار الفيدراليات المعيشية، الذي يسعى فيه كل منها إلى محاولة تأمين الأمن الغذائي الخاص بمناطق نفوذه، بالإضافة إلى المحروقات وخدمات أخرى، على قاعدة أن ذلك سيمنع وصول حالة الفوضى، المتوقعة في الأشهر المقبلة، إلى تلك المناطق، أما بالنسبة إلى باقي المناطق فهو غير معني بها.
هذا السيناريو، بدأ مع إندلاع التحركات الشعبية في الشارع، في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، وتعزز بعد ذلك خلال مرحلة مواجهة فيروس كورونا المستجد، على وقع توزيع الإعاشات الغذائية التي تسمح بإعادة تثبيت النفوذ من جديد، بعد أن لمست تلك القوى حجم النقمة الشعبية عليها، حين لم تستثن الدعوات إلى الإصلاح ومحاربة الفساد أياً منها، الأمر الذي دفعها إلى التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان.
في خطابات هذه القوى معادلات جديدة، أبرزها أن حياة الرفاهية الماضية لن تعود، وكأن اللبنانين كانوا سابقاً يعيشونها ولا تثقلهم أي هموم أو يعانون من أي أزمة، بالإضافة إلى دعوتها المواطنين إلى التحمل قبل الإنتقال إلى مرحلة المعالجة، مع العلم أن من كان سبب المشكلة لا يمكن أن يكون هو المشرف على حلّها، فهو فشل، في المرحلة الماضية، ومن غير المتوقع أن ينجح في المستقبل، وبالتالي ما تريده تلك القوى البحث عن كيفية البقاء على أساس المعطيات المستجدة.
قبل أشهر قليلة، طلبت الحكومة الحالية من المواطنين منحها الفرصة لوضع الحلول المناسبة، لكن من الناحية العملية أعضاء هذه الحكومة هم من يسأل اليوم ماذا قدمت أو ما أنجزت، ما يعني أن لا ضرورة لسؤال الرأي العام عن موقفه منها في الوقت الراهن، نظراً إلى الأجوبة قد تكون صادمة لمعظم الوزراء، لا بل ربما قد يجدون بين المواطنين من يفضل الحكومات الماضية، التي تحملها الحالية المسؤولية عن الواقع الذي وصلت إليه البلاد.
في المحصّلة، لا أحد يراهن على إمكانية الخروج من الأزمة بسرعة قياسية، لكن على الأقل المطلوب أن يرى المواطنون تحركاً فعلياً يظهر الرغبة في الإنجاز أو يفتح آفاق الحلول، لا مزيداً من التأزيم والإنتظار لتطورات إقليمية أو دولية قد لا تحصل، فهل فكر، من يراهن على تسوية إقليمية بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، بما سيحصل فيما لو تأخرت هذه التسوية أو لم تحصل؟ وهل فعلاً الأزمة اللبنانية هي نتيجة التوتر الحاصل في الإقليم أو على مستوى العالم فقط، أما أنّ الجانب الأساسي منها يراد تجاهله عبر رمي المسؤولية في أماكن أخرى؟.